هو الأكلة المميّزة للطبخ التونسي كالكسكسي على الصعيد المغاربي. وهوأحسن صورة معبّرة عن الموهبة والخبرة والبراعة والنجاح في إبداع شيء مكوّن من كلّ شيء باختيار وذوق. وقد وفّرت الطبيعة المتوسّطيّة للفنّان الطبّاخ كلّ ما يطلب ويشتهي وللمستهلك كلّ ما يحتاج إليه من الغذاء والدواء دون الاضطرار إلى مغادرة المطبخ إلى الصيدليّة . والصحن التونسي أحسن مثال مجسّد للروح التونسيّة في وحدتها وتنوّعها وللعقليّة التونسيّة في توسّطها ، دون تطرّف، بين الشرق والغرب، وبين العقل والنقل، وبين الأصالة والمعاصرة ... إلخ من الثنائيّات والمقابلات. والفضل، مرّة أخرى، في صحننا وفي هويّتنا وفي عقليّتنا يعود إلى المتوسّط بثقافاته. وقد توسّطناه جغرافيّا وحضاريّا حتّى حسدنا المشارقة على ما أنعم به الله علينا من خيراته التي يكاد ينير زيتها. وقد توسّطناه، أيضا، فكنّا عبر التاريخ بلد الأخذ والعطاء وجسر التواصل والحوار. والتونسيّ، كصحنه الشهيّ، محبوب ومرغوب في مجالسته ومعاشرته، بقطع النظر عن الملّة والديانة والجهة، لأنّه سريع التأقلم والتجاوب وذكيّ في فهم الآخر وإرشاده إلى درجة أنّه يفهم ما يراه لازما لمحادثة الغير من اللغات واللهجات. فإذا هويكلّم المصريّ باللهجة المصريّة ، والمغربيّ باللهجة المغربيّة . ويحسن المحاورة مع الفرنسي والأنقليزي والإيطالي وحتّى الإسباني والألماني ومع أيّ مستعمل للغات هؤلاء . وحتّى إن لم يدرسها فإنّه قادر على التفاهم مع أيّ منهم بعشر كلمات من هنا وهناك وبعض الإشارات. مثل هذا الشعب لا خوف عليه في المستقبل من الأزمات مهما اشتدّت. وهوالذي درّبته حوادث الزمن على المحن والفتن مهما كان مصدرها، من الخارج أومن الداخل، حتّى لم يبق من الوارد عليه أوالناشئ فيه إلاّ ما ينفع الناس بعد أن محّصه البرهان وصحّحته التجربة. وأمّا الزبد فيذهب جفاء مهما انتفخت الرؤوس وقرقعت البراميل. ومثل هذا الشعب لا يباع ولا يشترى ولا يغدر وطنه ولا يتخلّى عنه إذا جدّ الجدّ، ومهما كانت ظروف العامل بالفكر أوبالساعد، لأنّه بكدّه واجتهاده يضمن أمنه الغذائي، وبعقله ونقده يضمن أمنه الثقافي، محافظا على ذاته دون انغلاق، متفاعلا مع العالم دون انسلاخ. فأيّ طبق في العالم يضاهي الصحن التونسي في قيمته المادّية والمعنويّة. وقد صار أكلة شعبيّة يوميّة وعلامة على الجنسيّة والوحدة الوطنيّة ؟