في لقاء هلسنكي بين الرئيسين الأمريكي والروسي، ومن خلال الندوة الصحفية المشتركة التي جمعت أمس «بوتين» و«ترامب» تأكّد الجميع أن قمّة «هلسنكي» جاءت لتبحث عن قواسم مشتركة... المسؤولية السياسية في إدارة الشأن الدولي تأكّدنا اليوم أنها عمليا هي مسؤولية روسية أمريكية... كيف؟ الرئيس الأمريكي الذي قد يكون فاجأ الملاحظين في بلاده عندما هاجم وتهجّم على مسؤولين أمريكان نافذين، لأنهم خرّبوا العلاقات الروسية الأمريكية، هو نفسه الرئيس الامريكي الذي تبنّى تلك الخيارات «المعادية» لروسيا، لكن الاستحقاق المتمثّل في ضرورة الوصول الى نتائج ملموسة في حلّ المسألة السورية و«تسوية» وضع الاتّحاد الأوروبي، هذا الاستحقاق جعل «ترامب» يتراجع عن مواقفه المعلنة بنسبة 180درجة! هذا هو حكم السياسة... من جهة أخرى، فإنّ بوتين الذي لم يكن يخفي عداءه لتركيا وللمنظومة التي تقودها، نجده يصل الى قمّة هلسنكي وقد «روّض» الأتراك وجعلهم يثقون بخياراته في التسوية، لأن تركيا «أردوغان» وإن كانت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين التركي والأمريكي قد سبقت قمّة هلسنكي، فإن الفعل السياسي البراغماتي الرّوسي جعل «أردوغان» لا يضع بيضه في سلّة أحاديّة... الرئيسان بوتين وترامب، بيّنا أمس الأوّل أنهما المحكّمان في اللعبة السياسية الدوليّة من أجل سَوْسِ العالم... على الأقل في هذه الفترة التي قد توصلنا الى حدود 2022.. الرّئيسان، وبعد مشاورات كل منهما مع حلفائه، مثل مشاورات سوريا وإيران مع بوتين وتنسيق ومشاورات بريطانيا وألمانيا وفرنسا مع ترامب، وجدناهما أمام كاميراوات الصّحفيين وقد بعثا برسائل الانفراج في أكثر من منطقة، مع عدم إغفال المحاسبات والتلاوم من هذا وذاك، ولكن أيضا، وعندما اقتضت السياسة رأينا «ترامب» وقد دخل في سياق النّقد اللاّذع لمؤسّسة الحكم في الولاياتالمتحدة، في عهده وقبل عهده... العالم يبحث عن انفراج، والكبار ينظرون الى مصالح بلدانهم، ولكن نصيب العرب من هذا الأفق، نقيّمه بالصفر... فمازالت الضغينة والاتهامات الباطلة والتّجريح في ما بين العرب وفي ما بين أبناء البلد الواحد هي سيّدة الموقف... نحن اليوم نعيش فترة «العمى» السياسي، فلا تفكير في المصالح الوطنية والقوميّة... اليوم أنّى للعرب أن يتفحّموا في الخطاب السياسي الامريكي والخطاب السياسي الروسي والخطاب السياسي الصّيني حتى يفهموا أن السياسة فنّ الممكن... ولكن للسياسة أيضا، نواميس متفق عليها، أن لا قطيعة تامّة عندما يستجدّ الخلاف، لأن الحرب أيضا هي شكل من أشكال التّواصل... فهل يبحث العرب عن قواسمهم المشتركة... وهم على ذلك قادرون؟