في ظل خراب المشهد العربي.. وفي ظل الانقسام الفلسطيني المدمّر.. وفي ظل الانحياز الأمريكي المطلق والمعلن يمضي الكيان الصهيوني في سياساته الرامية الى تكريس «يهودية الدولة» وبالتالي يهودية الأرض وما عليها. وعلى هذا الدرب عمد يوم أمس مئات من المستوطنين الى تدنيس باحات الأقصى إحياء لما سموه «خراب الهيكل»... وهي عملية تمت تحت حماية السلط الصهيونية بما يؤكد بأن كل خطوات تهويد الأرض والمقدسات والمعالم هي سياسة دولة وليست مجرّد تحركات عشوائية صادرة عن جماعات دينية وقطعان مستوطنين. وهذه الخطوة التي تم بموجبها تدنيس معلم اسلامي ليست خطوة معزولة.. بل إن تعلّة «الهيكل المزعوم» اتخذت ذريعة منذ عقود لإجراء حفريات بالطول وبالعرض تحت المسجد الأقصى بالخصوص بما بات يتهدده بالسقوط والزوال في كل لحظة. حفريات لم تتوقف عند جغرافيا القدسالمحتلة ولم تقتصر على النبش في التراب والحجر بل إنها امتدت لتطال العقول والتراث العربي الاسلامي للمدينة... حيث هدفت الى استئصال كل ما يمت الى الهوية العربية الاسلامية للمدينة واستبداله بمزاعم وخرافات صهيونية تكريسا لتهويد المدينة كجزء من مخطط شامل يرمي الى تهويد كامل فلسطينالمحتلة.. والكتل الاستيطانية الممتدة على طول وعرض الضفة الغربيةالمحتلة خير دليل على السياسة الصهيونية الممنهجة الرامية الى تغيير ملامح الأرض وجعل التهويد حقيقة قائمة على أرض الواقع. حقيقة يحتاجها المشروع الصهيوني القائم على التوسع باستعمال غطرسة القوة.. وصولا الى تجسيد ما سمي يهودية دولة اسرائيل وهو ما أكده قبل أيام قانون «يهودية الدولة» الذي تم تمريره وسط صمت عربي مريب ووسط سلبية فلسطينية محيّرة... ذلك أن هذا القانون العنصري الذي يأتي بعد كل خطوات التهويد وبعد تواطؤ أمريكا بنقل سفارتها الى القدسالمحتلة سيكون له ما بعده... لأنه سيشكل مستقبلا بوصلة توجه خطوات المشروع الصهيوني الرامي في الاخير الى ابتلاع كامل فلسطين في طريق سعيه الى تحقيق ما يسمى «اسرائيل الكبرى» التي تمتد من النيل الى الفرات. وهذه غاية يمهّد لها الصهاينة بتواطؤ أمريكي معلن ومكشوف من خلال العمل على تدمير الدول العربية والسعي الى تقسيمها تمهيدا لانبعاث دويلات عرقية ومذهبية تدور في فلك الصهاينة والأمريكيين وتسهّل اكتمال حلقات المشروع الصهيوني الكبير والخطير. وما الفوضى التي تشهدها منطقتنا العربية وما الصراعات والحروب التي تشقّها وما حالة الفرقة والضعف والعجز التي تضربها الا مقدمات لهذا المشروع المشبوه الذي يجرّب فينا مبدأ «دمّر نفسك بنفسك» بغية إنهاك الدول وتهيئة الطريق أمام المشروع الصهيوني. وما لم يسع الفلسطينيون والعرب الشرفاء الى إنهاء حالة الفوضى والهوان هذه دون إبطاء فإننا سنجد أنفسنا إزاء خطوات صهيونية أكثر حدة وغطرسة سوف يبدو معها اقتحام الأقصى وباحاته مجرد «نزهة» لأننا قد نفتح عيوننا ذات صباح فنجد الأقصى وقد دفن في حفريات «الهيكل المزعوم».