لم تجر العادة أن يقطع وزير الشؤون الخارجية حضوره في فعاليات الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية والدائمة ليقوم بزيارة رسمية إلى دولة من الدول بل ليست ككل الدول وأعني الولاياتالمتحدةالامريكية وفي هذا التوقيت من السنة حيث يخلد عادة كبار المسؤولين في بلدان العالم كلها تقريبا إلى الراحة السنوية مما يعطي لهذه الزيارة طابع الاستعجال الذي قد يكون مرتبطا برزنامة وزير الخارجية الامريكي مايك بوبيوالذي يلتقيه خميس الجهيناوي لأول مرة علما بانه تولى مهامه في 2 ماي الماضي خلفا لرجل الاعمال ريكس تليرسون الذي لم يعمر طويلا في المهمة حيث لم يدم توليه وزارة الخارجية أكثر من 16 شهرا وبامبيووهومن أصول إيطالية خريج أكاديمية عسكرية متخصص في الهندسة الميكانيكية قبل أن يصبح محاميا ورجل أعمال ثم يدخل الحقل السياسي ضمن المجموعة الأشد محافظة في الحزب الجمهوري وقد عينه الرئيس دونالد ترامب رئيسا لوكالة الاستخبارات المركزية س إ ي في بداية عهدته وهومن صنف الصقور في الإدارة الامريكية الجديدة وكان من المهم أن يتعرف عليه الوزير التونسي عن كثب خاصة في ضوء رغبة بلادنا في الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الامن الدولي لسنتي 2020 و2021 وهوما قد يضعنا في مواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية في كثير من القضايا ولا سيما القضية الفلسطينية والتعامل مع العنجهية الإسرائيلية علما أن الادارة الامريكية اضحت من اشد المساندين للكيان الصهيوني حيث انها لم تكتف بنقل سفارة واشنطن إلى القدس الشرقية في خرق واضح للقرارات الدولية في الغرض بل ساندت تل ابيب في اتخاذ القرار العنصري بإعلان إسرائيل الدولة القومية لليهود وهوما يمثل تكريسا للتمييز على قاعدة العنصر والدين تماما مثلما كان في إفريقيا الجنوبية تحت سياسة الأبرتايد البغيضة. قد يكون الوضع في ليبيا خاصة في ضوء الزيارات المكوكية التي قام بها خميس الجهيناوي إلى طرابلس وطبرق وبنغازي في الأسابيع الأخيرة ولقاءاته مع مختلف القوى الفاعلة في الملف الليبي هوالذي دفع بالوزير الامريكي إلى قبول استقبال نظيره التونسي في هذا الظرف بالذات لا سيما وأن هذا الأخير يحمل دون شك تقييما للوضع في هذا البلد الجار والشقيق بالنسبة لنا والمهم بالنظر إلى المصالح الأمريكية في المنطقة والحرب على الإرهاب وعلى تنظيم داعش بصفة خاصة الذي قد ينتقل من سوريا والعراق إلى الشمال الإفريقي ومنه إلى غربي القارة. لا شك ان واشنطن لها ما يكفي من المعلومات حول الوضع العسكري والامني في ليبيا وحول التطورات السياسية وخاصة نتائج الاجتماع الأخير في باريس برعاية فرنسية بحضور ممثل الأممالمتحدة غسان سلامة والذي أفضى إلى إقرار إنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية السنة الحالية إلا أنه يهمها أن تستمع إلى آراء طرف آخر يهمه الوضع في ليبيا مثل تونس. فأمريكا لن تكون راضية عن تسليم الملف الليبي إلى بلد آخر حتى وإن كان حليفا مثل فرنسا لاسيما في ضوء الحاجيات الليبية الكبرى عندما تنطلق عمليات إعادة الأعمار والتي ستكون مناسبة لمنافسة شرسة بين كل الدول بما فيها الحليفة خاصة وأن مليارات الدولارات ستوضع على الطاولة في هذا الظرف. وإذا علمنا مدى تشبث امريكا بالحصول على نصيب الاسد من هذه الاموال في نطاق دفاعها عن مبدإ"أمريكا أولا" فليس من المستغرب ان نرى هذا الاهتمام الامريكي بالأوضاع في ليبيا وهوالمحور الاساسي لهذه الوزيارة. السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الزيارة يتعلق بالنظرة الامريكيةلتونس فالأكيد أن بلادنا لا تمثل شيئا كثيرا لواشنطن فهي ليست شريكا اقتصاديا ولا تجاريا هاما حتى اقتناءاتها العسكرية على أهميتها بالنسبة لتونس فهي لا تمثل شيئا يذكر في أسواق الاسلحة التي تتزعمها أمريكا في العالم. حتى الإعانات الأمريكية فهي لا تكاد تذكر من حيث النسبة والقيمة فضلا على انها تناقصت عوض ان تزيد أما القروض فهي شحيحة وحتى الضمانات التي كانت تقدمها واشنطن لحصول تونس على قروض من أطراف أخرى ومن مؤسسات دولية اومن الاسواق المالية فلم نعد نعول عليها لإخراج بلادنا من الأزمة الخانقة التي تمر بها. قد تكون الصورة سلبية ولكنها الحقيقة التي لا يجب ان ننساها في علاقة بما يربط تونس من تعاون مع الولاياتالمتحدةالامريكية خاصة تحت إدارة رجل اعمال مثل ترامب لا يؤمن إلا بما سيجلبه من أموال ومصالح لبلده بعيدا عن منطق الصداقة والمحبة والتحالف. ولابد من التنويه هنا أننا لم نعد نسمع شيئا عن تصنيف تونس ضمن الحلفاء الاساسيين للولايات المتحدة من خارج الحلف الاطلسي الذي كان منحه لتونس الرئيس السابق بارك اوباما خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الباجي قائد السبسي إلى واشنطن خلال عهدته. فهل لم يعد لها اثر يذكر وهل ان تواصل الدولة غير موجود حتى في الولاياتالمتحدةالامريكية حتى يقع تجاهل أمر بمثل هذه الاهمية. السؤال يبقى مطروحا وتنمنى أن نجد إجابة مقنعة له. لا شك أن زيارة الوزير التونسي إلى واشنطن في هذه الظرفية الدولية والوطنية ولقاءاته مع مسؤولين امريكيين كبار من الإدارة والكونغرس بمجلسيه هامة ولكن نتمنى أن نرى لها نتائج ملموسة تخرج عن الكلمات المعسولة واللغة الخشبية.