يبدو ان الطبقة السياسية في بلادنا سواء من كان منها في الحكم أو في المعارضة قد عصف بها حبّ الجدل وحبّ خوض المعارك حتى وان كانت هامشية وتحقيق الانتصارات حتى ولو كانت وهمية. آخر المعارك شهدها مجلس نواب الشعب حيث عاش النواب ساعات طويلة من الجدل ومن التجاذبات والمزايدات وانتصبت بورصة سياسية لبيع وشراء الأصوات وكأن مجرّد المصادقة على انتخاب وزير الداخلية أصبح عنوان معركة حياة أو موت لتونس. أو أن كل مشاكل الشعب الاقتصادية والاجتماعية معلقة على حدث تمرير المصادقة على تعيين الوزير من عدمها. الحدث كان مهما من زاوية واحدة وهي زاوية ضرورة سدّ الشغور في وزارة حساسة وحيوية في مقارعة الارهاب وضبط الوضع الأمني في البلاد خاصة في ظل التهديدات الإرهابية التي تطلّ برأسها والبلاد في أوج موسم سياحي استثنائي ويعدّ مؤشرا هاما في اتجاه تعافي الاقتصاد وعودة عجلته الى دورانها الطبيعي. أما مسألة ربط المصادقة على اقتراح رئيس الحكومة بمسألة بقاء الحكومة ورئيسها من عدمه فإنها تصبح بمثابة اختلاق المعارك وافتعال الهزائم والانتصارات لأن معركة تعيين وزير للداخلية ليست عنوانا لمعركة سياسية ولا يمكن البناء عليها لقياس تعافي الحكومة ولتحديد انتصار فريق وهزيمة فريق آخر. والدليل ماثل أمام الجميع وتختزله أسئلة بسيطة: ما الذي تغيّر الآن؟ هل انتزعت الحكومة حزام الدعم السياسي اللازم للانطلاق في العمل وفتح الملفات الشائكة الماثلة أمام البلاد والشعب؟ وما هي المكاسب التي غنمها معارضو الحكومة والمطالبون برحيلها؟ وقبل هذا وبعده أين الشعب ورغباته وانتظاراته ومشاكله والنيران التي يصطلي بها من كل هذه المعارك ومن كل هذا الجدل؟ ان المواطن البسيط الذي يكتوي يوميا بنيران الأسعار ويعاني آفات التهميش والبطالة ويكابد للحصول على جرعة دواء لا يجد نفسه في هذه المعارك التي يفجّرها أهل السياسة... ولا يجد له دورا او فائدة من كل هذه الحرائق التي يشعلونها والمعارك الكلامية التي يملؤون بها المنابر والتي هي حرائق ومعارك كراس ومواقع ومصالح لا تخدم الا أصحابها. متى يلتفت أهل السياسية واللاهثون وراء المناصب والمنافع الى المشاكل الحقيقية للبلاد والعباد؟ ومتى يدركون أن معاركهم تدور في واد والملفات الحقيقية في واد آخر؟ ومتى يكفون عن الجدل ويلتفتون الى الفعل والعمل؟ أسئلة نرجو أن ينكب الجميع على ايجاد أجوبة لها قبل أن ينفجر بركان الغضب الذي يعتمل في الصدور.