فيما تتمطّط مشاورات تشكيل الحكومة وتتمدّد.. وفيما يواصل الساسة صراعات المواقع وحسابات الكراسي يغرق المواطن في همومه وشجونه ومشاكله اليومية.. ويمضي اقتصاد البلاد مواصلا انحداره ومراكما عوامل ومؤشرات التأزّم. ورغم هذه العوامل الملموسة التي لا تخطئها عين والتي تتردد على كل الألسن فإن الطبقة السياسية وبخاصة الحاكمة تنهمك في الشأن السياسي ولا يبدو أنها تبدي كبير اهتمام وعناية لا بشكوى المواطن الذي تكويه نار الأسعار الملتهبة، ولا بأمراض الاقتصاد التي تكاد تقعده.. فهل أن النخب السياسية تعيش في واد وعامة الشعب يعيش في واد آخر؟
قد لا نجد عناء في البحث عن إجابة لهذا السؤال البسيط لأن الملاحظ يلمح بالعين المجردة حقيقة هذه المعادلة البسيطة.. وقد تعدّدت في الأشهر الأخيرة مظاهر ومؤشرات ضجر وملل المواطن التونسي من هذه المسلسلات السياسية التي لا تريد أن تنتهي وبخاصة مسلسل التحوير الوزاري الذي تمخّض بدوره ليلد لنا مسلسل تشكيل حكومة، لا ندري هل نصفها بالجديدة؟ أم بالقديمة الجديدة؟ أم بالجديدة في ثوب قديم؟
ولئن كانت تالة وصرخة الغضب التي أطلقها أهاليها في وجه بعض السّاسة آخر محطة تفجّر فيها غضب المواطنين، فإن المحطات السابقة لا تكاد تحصى.. ولا تكاد تخلو منها مدينة أو معتمدية حتى أن الشعب التونسي قد يكون حطّم كل الأرقام القياسية من حيث عدد الاعتصامات وإغلاق الطريق ورشق المسؤولين بالحجارة وبالعبارات النابية ومن حيث استخدامها كأدوات وسبل للتعبير عن معاناته وللتنفيس عن الاحتقان الذي يعيشه بسبب الفقر والحرمان والتهميش والتهاب الأسعار وانسداد أفق التشغيل.
ومن المفترض أن تكون هذه الملفات هي الأولويات التي يتشاور عليها السّاسة ويتنافسون لتوفير أجوبة أو حتى بدايات أجوبة لها.. ومع أننا ندرك صعوبة هذه الملفات وعدم وجود عصا سحرية تحلها في زمن قياسي، إلا أن المواطن يحتاج ليرى مشاكله وهي تتبوّأ الصدارة في اهتمامات رجال السياسة لكي يجد جرعات أمل يحتاجها ليرى من خلالها النور في نهاية النفق المظلم.. وهذه حقيقة لا نحسبها تغيب عن النخب السياسية وبدرجة أولى عن الحكومة ولكنها مع ذلك لا تجد طريقها الى صراعاتهم ومشاحناتهم وخطبهم الرنّانة حول نسب النمو المرتفعة وحول مظاهر تعافي الاقتصاد والتي لا يجد لها المواطن أثرا على الميدان، وفي حياته اليومية.. فيضيق صدره.. وتنطلق يداه.. ويوجه رسائله المضمونة.. بالحجارة وبأشياء أخرى.