عاش جمهور مهرجان الحمامات الدولي في دورته الرابعة والخمسين في سهرة الاثنين 06 أوت بفضاء «دار سيباستيان» على وقع الكلمة المعتقة في ليلة شعرية بامتياز، نجمها الشاعر العربي أدونيس. تونس (الشروق) لئن اعتبر كثيرون أن الدورة 54 لمهرجان الحمامات الدولي، دورة مميزة إلى حد الآن من خلال برمجتها، إلا التميز والتفرد في هذه الدورة كان ببرمجة سهرة تحتفي بالشعر والشعراء، سهرة التأمت مساء الاثنين الماضي بدار سيباستيان بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات، واحتفت بالشاعر العربي الكبير أدونيس بحضور ثلاثة شعراء من تونس ، آدم فتحي و أحمد شاكر بن ضيّة وأمامة الزاير. ليلة أول أمس بدار سيباستيان، كانت سمتها الإصغاء أو الإنصات، والتصفيق الحار، والذي كان نصيب الأسد فيه للشاعر التونسي آدم فتحي، الذي لم روض «القراصنة» ب»ذيل السلوقي»، متمنيا في ختام قصيدته أن «نرى كلب عزريل ينصفنا من كلاب الحياة».. آدم فتحي في قصيدته (القراصنة) تحدث بطريقة القرصان، كاسرا العتمة واليأس بذيل «سلوقي ف»لم يبق في الأفق إلا الأمل». حين تستمع إلى قصيدة «القراصنة»، يخيل إليك أن آدم فتحي، وضع الرقعة السوداء على العين - وهذه الرقعة السوداء لا يضعها القرصان على عينه لأنها تُخفي خلفها إصابة تعرض لها كما يتصور البعض أو الأغلبية، بل إن القرصان يرتدي عصابة العين ليكون قادرًا على الرؤية في الضوء والظلام على حد سواء دون أن يواجه مشاكل لأن العين البشرية تحتاج وقتًا لتتضح رؤيتها في الظلام بعد النور، لذلك لبس آدم فتحي رقعة القرصان على عين الشاعر المتعقلة، ليقول فيما قال «حتى الشعاع الذي يتسلل من جهة الشمس في ومضة خاطفة.. حاد عن يدنا وتقوس في يدهم منجلا لحصاد سنابل أحلامنا النازفة...»؟ التفاعل مع قصيدة «القرصان» لم يقتصر على الجمهور فحسب، بل شمل كذلك نجم السهرة أدونيس الذي عاد بعشاقه إلى ديوانه القديم حيث قرأ قصيدة «الوقت» التي لا تعترف بالزمن، ويقول مطلعها: «حاضنا سنبلة الوقت.. ورأسي برج نار.. ما الدم الضارب في الرمل، وما هذاالأفول؟.. قل لنا، يا لهب الحاضر، ماذا سنقول؟.. مزق التاريخي في حنجرتي.. وعلى وجهي أمارات الضحيّة.. ما أمرّ اللغة الآن وما أضيق باب الأبجدية...». أدونيس استمتع وأمتع في ليلة الشعراء بمهرجان الحمامات، فلا اللغة ضاقت بالشعراء، ولا الجمهور الشاعر بشاعريتهم غاب عن الموعد.. جمهور اقتطع التذاكر ليسمع شعرا... جمهور أحب قصائد أدونيس لكنه يحبها أكثر ويطرب لسماعها بصوت أدونيس، مضفيا إحساسه الذي ألهمه هذه الأشعار، التي جعلته من أبرز شعراء العربية منذ أكثر من نصف قرن. سهرة الشعر بمهرجان الحمامات، جمعت ثلاثة أجيال من الشعراء فأدونيس آخر العنقود في جيل أثرى المدونة الشعرية العربية بأروع النصوص وآدم فتحي من جيل أتى بعد جيل أدونيس وتشبع بأشعاره، والجيل الثالث الذي يثلج الصدر لثقافته وشاعريته هو الجيل الذي مثله الشاعران أحمد شاكر بن ضيّة وأمامة الزّاير، اللذان أمتعا الحضور بقصائد جريئة، معبرة تنم عن ثقافة كبيرة وعمق أكبر.