جدد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي تمسكه بصديقه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي مثلما جدد تمسكه بخيار التوافق معه فضلا عن التفاعل الإيجابي مع مبادرته التي تغضب أنصار الحركة. تونس الشروق: فإحياء للذكرى الخامسة للقاء التاريخي بين الشيخين في باريس، أعد زعيم النهضة راشد الغنوشي بيانا أثنى فيه على ما تمخض عن هذا اللقاء من «توافق سياسي ومجتمعي فتح الأبواب أمام الاستجابة الشاملة لدعوة منظمات المجتمع المدني الى الحوار الوطني وهيأ لحزبي النهضة والنداء سبل النجاح في قيادة الحياة السياسية نحو التهدئة...». على حد ما جاء في البيان الذي نشره الغنوشي مؤخرا على صفحته الخاصة في الفيس بوك. ورغم أن العديد من النهضويين وخاصة منهم الراديكاليين لم يهضموا إلى اليوم هذا التوافق ولم يغفروا لشيخهم وقوعه في خطئه فإنه لم يعتذر لهم بل أكد في بيانه سيره في الطريق ذاتها عبر «الالتزام التام بخيار التوافق مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي واعتباره الإطار الأمثل للحوار حول كل القضايا للوصول الى حلول وبدائل وتوافقات، بعيدا عن منطق الغلبة وفرض الرأي، وهو المنهج الذي توافقنا عليه في باريس وتوقفنا بعون الله وحمده الى الحفاظ عليه» على حد تعبيره. تفاعل مع مبادرة الباجي الغنوشي يتمادى في «الخطأ» ذاته لأنه لا يعتبره خطأ ولأنه يعلم من التوافق ما لا يعلمه بعض أنصاره، على أن المسألة الخلافية بينه وبين الشق الرافض ليست محصورة في التوافق بل إنه تجاوز هذا «المحرم» لدى بعض أنصاره و»المكروه» لدى البعض الآخر و»المباح للضرورة» لدى بعض ثالث إلى مبادرات رئيس الجمهورية حول الحريات الفردية والمساواة. فبعد أن هاج أنصار النهضة وماجوا حول تقرير «لجنة بشرى» واستخفوا ب»مدنية» رئيس الدولة، وبعد أن اجتهدت بعض المواقع الالكترونية وصفحات المواقع الاجتماعية المحسوبة على الحركة في تهييج الشارع والتحامل على قايد السبسي... أطل علينا الغنوشي من خلال بيانه ليؤكد استعداده للتفاعل «مع مبادرة رئيس الدولة حول الإرث حين تقدم رسميا الى البرلمان، بما تقتضيه من الحوار والنقاش للوصول الى الصياغة التي تحقق المقصد من الاجتهاد وتجعل من تفاعل النص مع الواقع أداة نهوض وتجديد وتقدم لا جدلا مقيتا يفرق ولا يجمع...». الغنوشي مع الباجي في إدامة التوافق، ومعه من حيث التفاعل مع مبادرته حول الميراث، ومعه في استعمال نجاحات الماضي عصا زانة في القفز على خلافات الحاضر نحو مستقبل أفضل... ليس هذا فحسب بل إن الشيخ النهضوي مستاء من «حملات التشويه التي تدار بطريقة منهجية عبر ترويج الاكاذيب وبث الفتن والتحريض على الشخصيات السياسية والأحزاب ورموز الدولة وإطاراتها»... ولهذا فإنه يدين «بكل شدة ما تعرض له بالخصوص رئيس الدولة من ثلب وتهجم» قبل أن يدعو «أجهزة الدولة الى التحرك ضمن القانون لضرب العابثين بالشبكات الاجتماعية...». بعد 5 سنوات من التأسيس للتوافق، لم تتغير النهضة، ولم يتغير أنصارها وخاصة منهم الراديكاليين، لكن الأهم أن رئيسها الغنوشي لم يتغير بل إنه بقي ذلك الزعيم الذي يفرمل سير حركته في الوقت المناسب ويوجهها نحو الطريق المناسب في اللحظة المناسبة وإن تطلب الأمر أحيانا السير أمتارا إلى الخلف والعودة إلى الاتجاه الأنسب بدل التمادي في الوجهة الخاطئة. حق يستثنى منه الشاهد تعرض الغنوشي في بيانه إلى الترشح إلى رئاسة الجمهورية باعتبار «أن التنافس الحر هو من صميم الديمقراطية وان الطموح الشخصي للوصول الى الحكم عبر الصندوق حق دستوري لا يمكن المساس به أو إدانته...» لكنه جعل لهذا الحق استثناء لا علاقة له بالدستور ولا بالقوانين الأقل درجة ولا بالمعاهدات الدولية ولا حتى بأحكام الكتب السماوية بل هو استثناء ينبع من قراءة الغنوشي وحده لما أسماه ب»خصوصية التجربة (التونسية)». هذه الخصوصية «تقتضي (حسب قوله) تفرغ الحكومة لمهمتها في التنمية ومحاربة الفساد بعيدا عن التجاذبات الانتخابية والحزبية» ما يعني استثناء رئيس الحكومة يوسف الشاهد تحديدا من «حقه الدستوري» في التنافس الحر والطموح الشخصي للوصول إلى الحكم عبر الصندوق».