لا شك أن الموقف الذي أعاد مجلس شورى حركة النهضة التأكيد عليه في أعقاب اجتماعه أمس في ما يتعلق بموقفه من مصيرحكومة يوسف الشاهد لا يحمل في عمقه جديدا لأنه أعاد التأكيد على أهمية الاستقرار السياسي وجدّد دعوته للشاهد بأن يختار بين رئاسة الحكومة وإعلان ترشحه لرئاسيات 2019. لكن هذا الموقف يحمل في طياته رسائل عدة أوّلها أن هذا الموقف قد يعكس التوازنات الداخلية صلب حركة النهضة وهي التوازنات التي تمنع رئيس الحركة راشد الغنوشي من التصرّف بحريّة ومن تغيير المواقف كما يشاء وتمنعه بالتالي من إعادة مدّ جسور الثقة والتواصل مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي كان بدوره قد خيّر الشاهد بين الاستقالة أو الذهاب الى البرلمان. وفي مستوى التسويق السياسي فإن هذا الموقف يمثل رسالة أخرى أرادت من خلالها حركة النهضة أن تظهر كحركة مؤسسات تتخذ قراراتها صلب مؤسساتها لكن في هذا الموقف أيضا محاولة واضحة من مجلس شورى النهضة للردّ بطريقة سياسية على الاحراج السياسي الذي حاول رئيس الجمهورية حشر حركة النهضة فيه من خلال مبادرة المساواة في الإرث... وهذا يعني إضعافا جديدا لسياسة التوافق التي تكاد تتحوّل الى مجرّد شعار لا مكان له على ارض الواقع السياسي. الظاهر أن النهضة، بهذا الموقف أرادت استغلال العزلة السياسية التي يعاني منها الشاهد لتزيد في احتوائه وتطويقه بعد أن أصبح مصير حكومته مرتهنا الى حد كبير بموقفها لكن الواضح أيضا أن دعوة مجلس شورى النهضة للأطراف السياسية الممثلة في الحكومة تتضمّن في صلبها استعدادا نهضويا لرئاسيات 2019 فهو الذي يزيح وجوها ويضع لها حدودا ويعمل في المحصلة على تأثيث الفضاء الانتخابي القادم. أليس من المفارقة أن تتهم بعض الأطراف السياسية اليوم الشاهد بالفشل وتبدي خشيتها في نفس الوقت من ان يستثمر نجاحاته في السباق الرئاسي المنتظر؟ فإذا كانت هذه الحكومة فاشلة ورئيسها فاشلا، مثلما تقول هذه الأطراف، فلماذا لا تتركه يواجه مصيره في الانتخابات القادمة وتترك الشعب يحكم عليه... لكن المفارقة الأكبر بلا شك أن ذات الحزب السياسي الذي يندّد بالإقصاء ويرفضه ضمن مسألة التوافق هو ذاته الذي يرفع اليوم عصا الرفض ضد رئيس حكومة يضمن له الدستور الذي كان، هذا الحزب ذاته طرفا فاعلا في صياغته، خوض الانتخابات. من هذا المفصل التفسيري بالذات تولد فرضية انخراط النهضة في صراع المحاور صلب النداء حيث تنزل بكل ثقلها لاقتحام الاستحقاق الرئاسي القادم مبكرا عبر البدء بعزل الشاهد من السباق الرئاسي بعد أن بات يحظى بوزن سياسي وشعبي وإعلامي معتبر. الواضح ان الشاهد لم يعبّر الى حدّ الآن، لا في السرّ ولا في العلَن، عن موقفه من مسألة الترشح للاستحقاق الرئاسي، إلا أن إقحامه في هذا الصراع على رئاسية 2019 يقوّي حظوظه وحضوره في السباق الى قرطاج... وليس العكس.