قد لن يتم اجراء الاستحقاقات الانتخابية القادمة في موعدها، هذه الفرضية مطروحة بجدية هذه الأيام ولكن ما الداعي إلى تأجيلها؟ وماهو تأثير التأجيل المحتمل على مصلحة البلاد؟. تونس الشروق: «تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة وارد» هي ليست دعوة إلى التأجيل ولا رغبة فيه بل هو استشراف موضوعي مبني على مدى الجاهزية لإنجاح تلك الانتخابات. هذا الاستشراف لم يعد اليوم حكرا على طرف سياسي دون آخر ولا جهة دون أخرى بل يكاد يهم جل الأطراف المؤثرة، يكفي أن نذكّر في هذا المجال بأن استبعاد إجراء الانتخابات في موعدها صدر عن أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الثلاثاء الماضي مثلما صدر بعده عن القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون ومثلما صدر قبله عن عضو مجلس النواب عن كتلة النداء لطفي النابلي. ولكن ما الذي يرجح اليوم فرضية التأجيل والحال أن هناك متسعا من الوقت يكفي لإجراء الانتخابات في موعدها؟. ركود شامل «كل السيناريوهات واردة ومرتبطة بالخطوات العملية التي سنذهب في اتجاهها خلال الأيام القليلة القادمة...»، هكذا يرد الطبوبي الذي يرى في حديث صحفي أن «العبرة ليست كيف ستذهب إلى الانتخابات بل يجب أن تكون انتخابات ديمقراطية وفعلية وأن تعطي فاعليتها من خلال نسبة المشاركة...». وإذا كان الطبوبي ينظر إلى الفاعلية وضمان النجاح فإن زيتون يعتمد في توقعه على ما وصفه مؤخرا على قناة «نسمة» ب»الركود الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد»، فيما يركز النابلي على المسائل التقنية بالإشارة في حديث صحفي قبل أيام إلى أن «فرضية تأجيل إستحقاق 2019 ممكنة جدا في غياب التوافق على انتخاب رئيس للهيئة المستقلة للإنتخابات...». لا يمكن إجراء الانتخابات في موعدها قبل حل المسائل المتعلقة بهيئة الانتخابات وتمكينها من الوقت الكافي لضبط روزنامتها، ولا يمكن إجراء انتخابات ناجحة في موعدها في ظل الأزمة الخانقة والشاملة حاليا على أن الأهم في ما ذهب إليه الطبوبي: «ضرب للمسار الديمقراطي» تم إنجاح الانتخابات البلدية الماضية بشق الأنفس ولكن بأي ثمن؟، الثمن عزوف واضح من الناخبين لاسيما الشباب منهم، وقد أمكن احتواء هذه النقطة السلبية في انتخابات تتعلق بالشأن المحلي ولكن لا يمكن غض النظر عنها في انتخابات تتعلق بمجلس الشعب والشخصية التي تمثل تونس على المستوى الخارجي. لهذا على الجميع أن ينتبهوا إلى وجاهة ما ذهب إليه الطبوبي من أن خسارة 18 بالمائة تقريبا من الجسم الانتخابي في الانتخابات البلدية هو «ضرب للمسار الديمقراطي». هذه النقطة السلبية المهمة لا تقل أهمية عن حقيقة أخرى، فالترشح لكرسي الرئاسة في قرطاج يقتضي على الأقل متنافسين اثنين متقاربي الحظوظ بغض النظر عمن يترشح معهما، وقد لمسنا منافسة حميدة ومهمة جدا على مستوى المسار الديمقراطي بين الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي وسلفه منصف المرزوقي. منافع جمّة تبدو الجاهزية حكرا حتى اليوم على رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ما لم يرشح غيره من حركته، وعلينا أن نتحسب لانتخابات يمكن أن يفوز بها مرشح بفارق كبير في نسبة الأصوات تذكرنا بما كان يحصل قبل ثورة 2011. هناك إذن مصلحة بيّنة للبلاد من تأجيل الانتخابات، فمعه قد تتوفر ظروف اقتصادية واجتماعية أفضل لا سيما بالنظر إلى توقع نسبة نمو لن تقع عن 3.5 بالمائة انطلاقا من السنة القادمة، وإذا تم تأجيل الانتخابات إلى أجل أبعد فبالإمكان الخروج من الأزمة السياسية وحل كل المشاكل المتعلقة بالحكومة وبمدى انصراف همة أعضائها إلى المشاركة في الانتخابات. ولو تم التأجيل لوجدت هيئة الانتخابات ظروفا أفضل للعمل ولبدأ المعنيون بالترشح استعدادهم الفعلي من الآن فنضمن منافسة قوية تعود بالنفع على المسار الديمقراطي بغض النظر عن هوية الفائز، لكن وراء هذه المنافع خسائر قيمة: مضاره أكبر من نفعه التجربة الديمقراطية التونسية هي تجربة رائدة في دول ما يسمى بالربيع العربي وقد وفقت في إجراء انتخابات المجلس التأسيسي ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية قبل البلدية وكل تأخير ولو بسنة واحدة قد يسقط كل ما بنيناه خلال 8 سنوات. الأكثر أن الانتخابات التشريعية والرئاسية لا تهم التونسيين فحسب بل تهم الجهات المانحة والمستثمرين في العالم وكل تأخير ينعكس سلبا على مصلحة تونس. والأهم أن عدم جاهزية بعض الراغبين في الترشح ليس مشكلة الجاهز وعندما نراعي مصلحة غير الجاهز يكون هناك هضم لحق الجاهز. كما إن الباجي قايد السبسي فاز بولاية مدتها خمس سنوات وسيكون هناك ضرب حقيقي للمسار الديمقراطي والتداول على السلطة إذا تحولت ولايتة من 5 سنوات إلى 6 سنوات أو 7... تأجيل الانتخابات فيه مضار بيّنة ومنافع واضحة لتونس لكن مضاره أكبر من نفعه إلا على الأطراف السياسية غير الجاهزة لخوض الانتخابات في موعدها.