لا يزال الجدل قائما حول مسألة المساواة في الميراث على ضوء مبادرة رئيس الجمهورية في هذا الاتجاه وما جاء في تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة، وهو جدل مردّه أنّ الحوار بشأن هذه المسألة لم ينضج بعد حسب رئيس قسم الشريعة والقانون بجامعة الزيتونة د. إلياس دردور. نقول لأهل السياسة «أبعدوا الدين عن تجاذباتكم» الشروق مكتب الساحل: الدكتور دردور قدّم في لقاء مع «الشروق» رؤيته لمنظومة الميراث في الإسلام مؤكّدا أنّ المسألة أعمق ممّا نراه من طرح سطحي يختزلها في «صراع بين ذكر وأنثى حول الأحقية في المساواة»، وهذه تفاصيل الحوار: منذ طرح مبادرة التعديل في نظام الميراث في تونس والأصوات تتعالى بين مؤيّد ورافض، ولكن تبدو الحجج من الجانبين ضعيفة والقراءة سطحية، ما هي رؤيتكم للمسألة؟ رؤيتنا أنّ منظومة الميراث في الإسلام منظومة منسجمة، وهي علم فيه قواعد وأصول ومنهج ومنطق في التناول، وبالتالي فإنّ ما بادر به رئيس الجمهورية من اقتراح تعديل في نظام الميراث على مستوى المساواة، وهو تعديل جزئي يهمّ الأزواج والإخوة والأبناء كما جاء في التقرير، فيه خطورة كبيرة من حيث أنه يضرب المنظومة ككلّ. ففي أيّ علم من العلوم وحين تدخل بعض الإخلالات أو التصرفات الجزئية فإنّ الباحث لا يصل إلى حلّ صحيح، وبنفس هذا المعنى المنطقي العلمي الرياضي يتم تناول علم الميراث، وبالتالي فالمسألة ليست بهذا التصور وهذا الإمكان كما طرحه رئيس الجمهورية، بل تحتاج إلى دقة نظر وعمق فهم لهذا العلم. ومن ناحية أخرى فإنّ ما استند إليه الرئيس (الفصل 21 من الدستور الذي ينص على أن المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات) لا يُسعف بهذا التطبيق، بل فيه مناقضة، فالمسألة ليست بهذه السطحية والارتجالية في تناول كل هذه القضايا. وبالنسبة إلى الميراث تدخّل المولى عز وجلّ في قسمة ما يتركه الميت بأنصبة وأعداد كسرية متناهية في الدقة والتحديد حتّى لا يترك مجالا لطمع طامع أو تدخّل متدخّل حتى أنه لم يتدخّل في الصوم والصلاة والزكاة والحج كما تدخل في مسألة الميراث. وقد قلنا إنه لا بد أن يكون هناك نقاش عميق مع أصحاب الاختصاص وقدّمنا إجراءات عملية قانونية للخروج بحلول لإيصال الحق الشرعي للمرأة التونسية التي هي محرومة منه، فكيف نفكّر في ضرب نص قرآني وإعطاء أكثر من هذا الحق الذي هو غير مفعّل وقدّمنا حلولا وإجراءات سواء كانت المرأة زوجة أو أختا أو بنتا. المسألة تبدو أعمق من مجرّد تجاوز للنص الديني في حرفيته (للذكر مثل حظّ الأنثيين) وقد تحدثتم هنا عن حقّ شرعي سُلب من المرأة ولا بدّ من استعادته وعن مقترحات عملية لإيصال هذا الحق، ما هي هذه المقترحات؟ الحق الشرعي للمرأة مضمون بجملة من القواعد ومن المغالطة الحديث عن ذكر وأنثى في الميراث، فقواعد الميراث لا تقوم على الذكورة والأنوثة وإنما على قواعد رياضية دقيقة، فمثلا هناك قوة الإدلاء لذلك نجد أنّ الأنثى ترث والذكر لا يرث في مقامات تكون الأنثى أقوى من حيث الإدلاء، مثال أخت شقيقة تدلي إلى الميت بأمها وأبيها ترث والأخ الذي يدلي بأبيه فقط لا يرث. وأحيانا ترث رضيعة أكثر من أبي الميّت (جدها) رغم أن هذا الأب قد يكون ساهم في تركة هذا الابن الميت، وقد يتساوى الذكر والأنثى في قوة الإدلاء وترث الأنثى أكثر من الذكر مثل إنسان يتوفى ويترك زوجة وأما وبنتا وحفيدة، وحفيدا، وهنا ترث الحفيدة 32 / 216 بينما يرث الحفيد 9 / 216 أي أن الحفيدة ترث أكثر من الحفيد بثلاث مرات ونصف... والمهم أنّ هذا التناول التجزيئي لقضية الميراث واختزالها في قضية صراع ذكورة وأنوثة ليس مستساغا أصلا في الحديث عن هذا العلم الذي له قواعد وأصول. أما عن المقترحات فنقترح سنّ حق الكدّ والسعاية للزوجة، وقد أفتى في ذلك بعض العلماء، ويتم بموجب هذا الحق تحديد وحساب مجموع الثروة التي يتم تكوينها خلال الفترة الزوجية، وبعد الطلاق أو موت الزوج يُنظر في مساهمة الزوجة قبل قسمة الميراث، اعتمادا على السلطة التقديرية لمساهمتها في تلك الثروة. وبالنسبة إلى الإخوة فقبل القسمة يمكن تفعيل إجراءات قانون الاستيلاء على مشترك، وبعد القسمة يجب تفعيل قانون الامتناع عن التمكين أو الاستيلاء على الحوز بالقوة، كما نقترح كذلك إيجاد قضاء خاص للميراث للبت السريع في هذه القضايا. إذا كانت المسألة بهذه الدقة، هل ترون أن الجدل الحاصل حول تقرير لجنة الحقوق الفردية والمساواة سياسي بالأساس؟ لو اعتبرنا حسن النية نقول إنّ من طرح هذا المشروع ليس له دراية بحيثيات هذا العلم وخصائصه وبالتالي لا بدّ من تعميق النقاش والبحث من الآن في الصعوبات التطبيقية الخاصة بإجراءات التعديل، أما إذا افترضنا سوء النية فنقول إن هذه مزايدات سياسية وتجاذبات حزبية يُراد منها كسب ثقة المرأة وإرضائها في الانتخابات، ونحن نقول أبعدوا القضايا الأخلاقية والقيمية والدينية عن مثل هذه الصراعات الحزبية والسياسية من اجل الحفاظ على السلم الاجتماعية والأمن للبلاد والعباد. إذا افترضنا حسن النية، هل وجدتم لدى لجنة الحقوق الفردية والمساواة قابلية للاقتناع بمقترحاتكم وحججكم؟ الحوار في أغلبه كان بطريقة غير مباشرة وبالتالي لم يكن هناك نقاش عميق من اجل بيان المشترك والمختلف، وبالتالي فالحوار لم ينضج بعد وكان فيه فعل وردود فعل وتشنجات من بعض الأطراف. وإذا كان الهدف خدمة تونس وتقدّمها وإعطاء حقوق المرأة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ولا تغيّبوا أهل التخصص الدقيق من جميع المجالات حتى نصل إلى حلول وإجراءات تكون فعلا حلولا تقدمية مقارنة بجميع الدول العربية والإسلامية وحتى يكون لتونس السبق والريادة في هذا المجال. من هو الدكتور إلياس دردور؟ أستاذ محاضر بجامعة الزّيتونة، ورئيس قسم الشريعة والقانون فيها. أستاذ زائر بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بصفاقس. عضو الهيئة الشرعية مجموعة من المؤسسات المالية الإسلامية من بنوك وتأمين ومؤسسات تمويل أصغر.