قال الباحث المتخصص في الشأن الليبي كامل عبدالله ان التدخل الخارجي اغرق ليبيا في الفوضى عبر وكلائها من الميليشيات وان الحديث عن انتخابات رئاسية وتشريعية نهاية العام الجاري هو محض احلام. كيف تقرأ التطورات الأخيرة في ليبيا؟ التطورات الأخيرة التي شهدتها العاصمة طرابلس خلال الأيام العشرة الأخيرة تؤشر إلى أن هناك ترتيبات جديدة سيجري الدفع بها خلال الأيام المقبلة لمعالجة وضع التشكيلات المسلحة في العاصمة الليبية وتقويض دورها الذي تغول خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. ما يعني أن العاصمة طرابلس مرشحة خلال الأيام القادمة لتكون المسرح الرئيسي للأحداث السياسية والأمنية في ليبيا بعد تراجع دورها النسبي منذ العام 2014 على وقع أعمال عسكرية وأمنية وتعقيد سياسي قوض وحدة البلاد وبات يهدد مصيرها ككيان موحد. لكن ما كشفت عنه هذه التطورات أن معالجة الوضع حتى الآن لاتزال غير جاهزة وواضحة المعالم لدى مختلف الأطراف المعنية سواء من جانب الأممالمتحدة أو من جانب القوى الدولية المعنية بليبيا. هل أصبحنا امام حرب اهلية طاحنة في ليبيا؟ هنا تكمن خطورة المسألة. فالترتيبات الأمنية التي يريد المعنيّون الدفع بها لمعالجة وضع التشكيلات والمجموعات المسلحة منقوصة ويبدو أن الاستفادة من أحداث العنف والأعمال والعمليات العسكرية والأمنية التي وقعت في مختلف مناطق البلاد منذ العام 2014 لم تسفر عن دروس مستفادة يمكن أن تساهم في حل المعضلة الأمنية. ينبغي أن يدرك المعنيون داخل وخارج ليبيا أن التشكيلات المسلحة هي عرض لمرض الانقسام والانسداد السياسي القائم منذ العام 2014 وفشل عملية التسوية بين الفرقاء التي تقودها الأممالمتحدة واستمرار الاستقطاب الحاد الذي ضرب ليبيا منذ اندلاع الأزمة والتنافس الإقليمي والدولي على تشكيل هوية النظام الليبي الجديد ورغبة هؤلاء في التغلغل في السياسة الليبية عبر قنوات خلفية ساهمت في تضخيم قوة الفاعلين المحليين وتقويض مؤسسات البلاد الرسمية سواء مؤسسات الأمن (الجيش والشرطة) أو المؤسسات الاقتصادية السياسية (المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار التي هي الصندوق السيادي للثروة الوطنية). الرغبة المعلنة من جانب مختلف الفاعلين بضرورة عدم القبول ببقاء الوضع الراهن في ليبيا وصعوبة استمراره تهدد طريقة معالجة وحدة ليبيا في الصميم. فالحل الأمني على المستوى السياسي والأمني يظل غير مجدي لتشتت القوة وانشطارها وتعدد الفاعلين المحليين ونشاط القنوات الخلفية للقوى الدولية والإقليمية أكثر من نشاط قنواتها الرسمية والتي لعبت دورا سلبيا ومقوضا لأي محاولات بناء وتوافق وطني في ليبيا. وننبه إلى أن الاستمرار في الدفع بأي ترتيبات سياسية وأمنية جديدة في ليبيا من الخارج وحتى من الأممالمتحدة في الوقت الراهن لن تؤدي إلا إلى انهيار الكيان الليبي. فالقوى الإقليمية والدولية استثمرت في شركاء محليين ولن تقبل بأي عملية جديدة تقوض مصالحها في المرحلة الحالية، ما يعني أن أي مباردة من خارج ليبيا ستهدد وحدتها. وتعيد البلاد إلى مربع الحرب الأهلية من جديد. برأيك ما هو المخرج السليم للازمة في ليبيا؟ واي مصير للصراع الفرنسي الايطالي عليها؟ حل الأزمة لن يكون إلا ليبيا شاء من شاء وأبى من أبى. الليبيون أدرى بأنفسهم. التدخل الخارجي زاد من تعقيد الأمور وبات يهدد وحدة البلاد ودعم الخارج للفاعلين المحليين عمق الأزمة وسينتهي إلى تقويض مصالحهم إذا استمر جميعهم على السير في هذا الطريق إلى نهايته. الطبيعة التقليدية للمجتمع الليبي تفرض نفسها دائما على عملية الترتيب والبناء السياسي. الحديث عن إمكانية قيام أي قوة خارجية بدور مساعد فضفاض وبناء علاقات مع الفاعلين من غير الدولة الليبية ومؤسساتها الرسمية يفكك ليبيا. الحل الأمثل للأزمة و الأنجع أن يترك الليبيون للحوار داخل ليبيا من دون وسطاء وتأثير خارجي إن بقي الدور الخارجي السلبي مؤثرا وفعالا عبر القنوات الخلفية لن يكون هناك حل. عملية حوار سياسي واجتماعي وأمني واقتصادي ليبية خالصة مطولة معمقة هي الحل. أما عن الصراع الفرنسي الإيطالي بدا واضحا أنه يتصاعد بقوة وكلا القوتين ليس لديهما ما تخسرانه في صراعهما على الأرض الليبية لأن الليبيين هم المتصارعون وهم من يدفع الثمن من أرضهم وأموالهم ودمائهم لخدمة البلدين. محاولة بناء سلطة وظيفية في ليبيا من جانب إيطاليا وفرنسا والمجتمع الدولي لن تناسب الحالة والوضع الليبي. الأزمات الراهنة في ليبيا تجعل من أي سلطة تفشل إذا فكرت القيام بدور وظيفي خارج الإطار الوطني في النظام الدولي والإقليمي لأن الجهد المطلوب منها محليا يفرض عليها قيود ضخمة. أي تداعيات للمواجهات الاخيرة على الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري؟ الحديث عن الانتخابات في ليبيا هو كلام للاستهلاك الدبلوماسي والمحلي. لن تكون هناك انتخابات في ليبيا على المدى القريب لأن الوضع على الأرض لا يسمح بتنفيذ هذا الاستحقاقات فالشرعيات السياسية والأمنية والمناطقية القائمة في ليبيا أمر واقع والحديث عن ترتيبات جديدة إنما تهدف إلى هندسة المشهد الليبي عن استحقاق ديمقراطي مقبول من الجميع لكن الواقع القائم لا يقبل ولا يسمح بعملية الهندسة الجديدة عبر آلية الانتخابات لأن أيا من الفاعلين المحليين وشركائهم الخارجيين لن يقبل بتقويض مصالحه ومكتسباته التي حققها خلال السنوات الأربع الماضية بهذه السهولة وسيجد نفسه مضطرا للقتال دفاعا عنها وهو ما ستذهب إليه القوى الخارجية التي استثمر كل منها في هؤلاء الفاعلين عبر قنواته الخلفية بشكل مكثف.