رغم أن المؤشرات الرّاهنة في تونس تلوح غامضة في ظل الأزمة الخانقة التي تعصف بالمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فإن نفوس التونسيين تهفو إلى صباح جديد ونحن على أبواب عودة سياسية وبرلمانية جديدة. هذه العودة لا نريدها في أن تحمل في طياتها ترسبات السنة السياسية والبرلمانية السابقة ولا تراكمات الأزمات والتجاذبات التي عاش في ظلها الوطن طيلة ثماني سنوات وخلفت أوضاعا سيئة للغاية يدفع التونسيون اليوم ثمنها الفادح من استقرارهم الاجتماعي وقدرتهم الشرائية ومن ظروفهم المعيشية وآخرها تحركات المتقاعدين على مستوى ولايات الجمهورية. هذه العودة السياسية والبرلمانية تأتي في مرحلة دقيقة بين انتخابات بلدية سابقة وانتخابات رئاسية وتشريعية قادمة وفي مناخ مازالت تسيطر عليه التجاذبات بشأن مستقبل الحكومة القائمة والكثير من الاستحقاقات مثل المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص والوضع التنموي الهش في الجهات الداخلية ناهيك الاستحقاقات الأمنية بعد أن عاد شبح الإرهاب ليضرب مجددا إثر العملية الأخيرة التي استهدفت شهداء الحرس الوطني في جندوبة. كل هذه الاستحقاقات لا شك أنها ستلقي بظلالها على العودة السياسية والبرلمانية القادمة بكل ما تتضمنه من تحديات وأسئلة وهواجس. اعتقد في هذا السياق أن المسؤولية والواجب والأمانة تحتم كلها عودة سياسية وبرلمانية تقطع مع كل المظاهر والظواهر الغريبة التي جعلت المشهد الوطني خلال السنوات الماضية على شفير الهاوية في ظل ما شهدته الحياة السياسية من صراعات وتناحرات وتجاذبات من أجل المناصب والكراسي وما عرفه مجلس نواب الشعب من صخب لا يرتقي إلى مواصفات الحياة البرلمانية المنشودة بالنسبة إلى بلد يفخر بديمقراطيته الفتية. هذا التردد الذي وسم الحياة السياسية والبرلمانية من قبل هو في تقديري السبب الحقيقي الذي قاد تونس إلى هذا المأزق الاقتصادي الخطير الذي كان من نتائجه الفادحة تدهور قيمة الدينار وتدني القدرة الشرائية لفئات واسعة من الشعب التونسي. ولا شك أن العودة السياسية والبرلمانية تقتضي في جوهرها التوافق ليس حول الحكم بل التوافق الوطني حول مصلحة تونس العليا والنأي كلّيا عن الحسابات الحزبية الضيقة والاحتكام إلى صوت العقل والحكمة والرصانة والابتعاد عن منطق «من الأقوى» في سياق النتائج الانتخابية وحجم الكتل البرلمانية. صحيح أنّ الاستحقاق الانتخابي القادم ببعديه الرئاسي والتشريعي سيرمي بثقله على الحياة السياسية القادمة لكن ينبغي التفطن بذكاء وعمق إلى التحديات الاقتصادية القادمة وإيجاد الآليات المناسبة لانعاش الدينار وتنشيط حركة الاستثمار الداخلي والخارجي وتحقيق نسبة نمو كفيلة بالحدّ من البطالة وتسريع نسق التنمية الجهوية على مستوى كافة ولايات الجمهورية. كل هذه الرهانات أمانة في أعماق الفاعلين السياسيين في الحكم وفي المعارضة ومسؤولية الجميع وخاصة المنظمات العريقة والعتيدة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف وإتحاد الفلاحين وسائر مكونات المجتمع المدني. إن تكاتف الجهود ووحدة الصف والقلب الواحد هي الضمانات الحقيقية لانبعاث الضوء في آخر النفق والخروج بتونس من المأزق الشامل الذي تعيشه البلاد منذ انتفاضة (لا عفوا) ثورة بدأت بأحلام وردية وتطلعات مشروعة لكن نتائجها إلى حدّ الآن شكلت كابوسا يأمل الشعب التونسي في تجاوزه لأن الأوضاع العامة في تونس لم تعد تحتمل المزيد من المصاعب والأزمات والصراعات على الكراسي والمسؤوليات. هذه آمالنا قبل العودة السياسية والبرلمانية المرتقبة والكرة بالتأكيد في ملعبي السياسيين والبرلمانيين والهدف واضح وكبير...مصلحة تونس أولا ودائما، ولا خيار لنا سوى العمل والصدق والوفاء لهذا الوطن العزيز. ولا عاش في تونس من خانها.