عودة الاستقطاب الثنائي بقوة، الصراع حول الهوية، الحديث عن تكتلات سياسية وعودة الجدال حول بقاء الحكومة من عدمه معطيات أثثت المشهد السياسي في الايام الاخيرة منذرة بسنة سياسية جديدة ساخنة تأهبا للاستحقاقات الانتخابية القادمة. تونس الشروق: ومن الناحية الاعتبارية تمثل بداية شهر سبتمبر الانطلاقة الفعلية للسنة السياسية في الغالب حيث ان الفعل السياسي يركن الى راحة صيفية يتوقف فيها عمل البرلمان عدا في الحالات الطارئة ليكون منطلق الخريف تقريبا البداية الفعلية للنشاط السياسي في انتظار عودة اشغال مجلس نواب الشعب مستهل شهر اكتوبر القادم. وخلال الراحة الصيفية ورغم قرار المؤسسة التشريعية الدخول في عطلة برلمانية الى بداية اكتوبر القادم فان المشهد السياسي التونسي رفض الجمود ولعل مايفسر ذلك كثرة التحديات المطروحة على الفاعلين السياسيين سيما وان العديد من النقاط الخلافية وقع تأجيلها و الاستحقاقات الوطنية باتت على الابواب. مصير الشاهد وحكومته مسار الدعوات الى تغيير الحكومة جذريا انطلق مطلع شهر ماي الماضي غير أن الاجماع السياسي لم يتوفر في ظل تمسك حزب حركة النهضة بالشاهد بدواعي المحافظة على الاستقرار وهو الامر الذي عجل بتعليق مشاورات قرطاج باكرا ودخول البلاد في ازمة سياسية مامن أحد يعلم نهايتها. ومن المرجح ان يأخذ هذا المسار طريقه من جديد للسجال والنقاش في مفتتح السنة السياسية القادمة سيما وأن التغييرات في المشهد السياسي بدت وشيكة من خلال مايروج في المنابر السياسية والكواليس والتي زاد من ابرازها تصريح القيادي في نداء تونس عبد الرؤوف الخماسي الذي توقع امكانية تغيير حركة النهضة لموقفها من الشاهد وتصريحات اخرى توقعت مضي الشاهد نحو تحوير وزاري مرتقب وهو مايفتح على سيناريوات عدة تحوم كلها حول امكانية عودة اجتماعات قرطاج 2 و اعادة السجال بشأن مصير الشاهد وحكومته الى الواجهة. التوازنات المالية وبغض النظر عن امكانية تغيير الحكومة جذريا من عدمها سيكون مشروع قانون المالية لسنة 2018 التحدي الابرز في مستهل السنة السياسية الجديدة حيث يحتم التشريع احالته على البرلمان قبل 15 اكتوبر القادم، ويطرح مشروع قانون المالية لهذا العام تحديات صعبة للحكومة حول آليات تمويل الميزانية وطبيعة الاجراءات المتخذة في علاقة بالقدرة الشرائية وبتمويل الاستثمارات الكبرى وبخاصة في الجهات الداخلية وكل ذلك يجعل من الحكومة في اختبار برلماني صعب. مستقبل التوافق الى جانب مصير الحكومة برزت في الايام الاخيرة معطيات تضع توافق حركة النهضة وحزب نداء تونس بل وتوافق «الشيخين» الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي على المحك من جديد بداية من خطاب رئيس الجمهورية يوم 13 اوت الفارط ومقترحه سن تشريع يساوي في حق الميراث وماتركه ذلك من اثر انقسام داخل النهضة قبل بروز مساع برلمانية لتجميع كتلتي النداء ومشروع تونس قد تهيئ الظروف لميلاد جبهة سياسية واسعة تكسر منظومة التوافق لصالح عودة الاستقطاب الثنائي. ويرجح المراقبون أن تكون مبادرة المساواة في الإرث المنعرج السياسي المهم في السنة السياسية الجديدة أو على الارجح المحدد الابرز لطبيعة التحالفات القادمة المتصارعة من اجل منظومة الحكم لما بعد سنة 2019 بين سيناريويْن ممكنين الاول يفترض ديمومة منظومة توافق «الشيخين» مثلما استبطن ذلك رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في مقاله الاخير والثاني يفترض الانقسام وبروز قطب المشروع الوسطي التقدمي في مناقضة لحزب حركة النهضة. كما ان السنة السياسية القادمة تتضمن عقد حزب نداء تونس مؤتمره الانتخابي الاول والذي سيحسم في مسائل عديدة ذات العلاقة بخطه السياسي مستقبلا وافاق التحالفات السياسية التي سيقودها بعد التعرف على دفة القيادة التي ستقوده نحو المرحلة المقبلة. تغيير قواعد «اللعبة» من ناحية اخرى برزت في نهاية السنة السياسية الماضية دعوات لتغيير القانون الانتخابي و التطلع الى تغيير النظام السياسي وراكم انصار هذه الدعوات من خبراء في القانون وسياسيين حججا عديدة لبيان فشل الحكم وتواصل الازمات نتيجة مطبات كثيرة يتضمنها القانون الانتخابي وكذلك النظام السياسي المدستر، حيث من المنتظر ان تتحول قريبا هذه الدعوات الى مشاريع قوانين ستكون محل تجاذب بين الفاعلين السياسيين سواء الرافضين لتغيير قواعد «اللعبة الديمقراطية» قبل الاستحقاقات الانتخابية أو الداعين الى قلب الموازنات وتنقية المسار السياسي من الشوائب والهنات. المؤسسات الدستورية ولئن نجح المسار السياسي في تنظيم الانتخابات البلدية و إرساء مجالس بلدية منتخبة والمصادقة على مجلة الجماعات المحلية فان تحديات السنة السياسية الجديدة تبدو اكثر من ذلك بكثير حيث اضحى من الملح ارساء المحكمة الدستورية لتحصين المسار علاوة على الحسم في سد شغور هيئة الانتخابات وانتخاب رئيس لها سيما وان المسار الانتخابي لسنة 2019 ينطلق غرة سبتمبر بفتح باب التسجيل واستكمال ارساء المؤسسات الدستورية خلال السنة الحالية مثلما تعهد بذلك رئيس البرلمان محمد الناصر بنهاية الدورة البرلمانية الاخيرة. في المحصلة تؤكد جل المؤشرات ان السنة السياسية والبرلمانية صعبة ومليئة بالتحديات وانه بالاقتراب من المواعيد الانتخابية يزداد المشهد السياسي ديناميكية فهل سيكون لانعكاسات الفعل السياسي اثر ايجابي على المواطنين ام ان الصراع فيه سيقتصر فقط على اعتبارهم مجرد ناخبين.