رَغم حَالة «البُؤس» التي تعيشها الجمعيات الرياضية في تونس فإنّ المسؤولين في ساحتنا الكُروية تَنافسوا وتَسابقوا على «تكديس» اللاعبين بطريقة فَوضوية إرضاءً للمحبين وتقليدا لبعضهم البعض بما أنّ المُتخلّف عن «سوق الكساد» يكون عُرضة للضغط العالي لأنّه لم يُساير «المُوضة» ولا يستحق جُبّة «المُحترف». وليس مُهمّا انتهاج سياسات واضحة تَتوافق مع حاجات وامكانات الفريق والمُهمّ في نظر البعض أن تُبرم الصّفقات وتأتي التعزيزات من كلّ الجهات والجنسيات. وقد أغلقت سوق الانتقالات عندنا منذ ساعات مُؤكدة أن الجمعيات التونسية تعيش فعلا على شفا الإفلاس الكروي بدليل أنّها أعادت «الشيوخ» وجلبت «المُهاجرين» التونسيين الذين لفظتهم الأندية الأوروبية لهشاشتهم الذهنية وتواضع مؤهلاتهم الفنية وعدم قُدرتهم على مُجاراة نسق الكرة «الحقيقية» أو»المستوى العالي» الذي اكتشفه نبيل معلول بعد الصّفعة البلجيكية. موسم الهجرة العَكسية في الوقت الذي يَلتهم فيه البحر عشرات التونسيين الهَاربين من «الجحيم» والحالمين ب»النَعيم» في الضفّة الأخرى من المتوسّط وفي الوقت الذي كنّا ننتظر فيه تنظيم «هِجرة» كروية («شرعية» طبعا) إلى البطولات الأوروبية تطويرا للمستويات الفنية وتعزيزا لصَادراتنا الرياضية من حيث الكمية وخاصّة النوعية، تُداهمنا مَوجة «الهجرة العَكسية». وهذه الهِجرة الجَماعية إلى بطولتنا المَحلية لم تَقتصر على الأقدام التي تَكوّنت في «البطاحي» والملاعب التونسية بل أنّها شملت لاعبينا المولودين في الخارج والمُتحصّلين على الجنسية المُزدوجة. قارب المُهاجرين العائدين إلى تونس يَضمّ على مَتنه بعض الأسماء المعروفة وثلّة من الأقدام المَغمورة التي اختارت أن تحطّ الرّحال في أرض الآباء والأجداد بحثا عن الرّزق والأضواء بعد أن عجزت عن فرض نفسها في الخارج. ومن الواضح أيضا أن بطولتنا توفّر للعائدين من السّفر عدة امتيازات أخرى كالتهرّب من دفع الضرائب وطَرق أبواب المنتخبات الوطنية لترتفع أسهمهم في بورصة «الكوارجية» بشكل قد يعبّد لهم الطريق للظفر بعقود مُغرية في الداخل أوالخارج خاصّة أن ساحتنا تمثّل محطّة جيّدة للإنتقال نحو بقية البطولات الأخرى كتلك المُتواجدة في المنطقة الخليجية حيث «البترودولار». ونجد في قائمة «المُرحّلين» من الدوريات الأجنبية إلى الأندية التونسية عدّة أسماء نستحضر منها على سبيل الذّكر لا الحصر مروان الصّحراوي (بنزرت) – الحبيب الوسلاتي (صفاقس) – وائل العربي ومحمّد علي اليعقوبي (الترجي) – مروان الميهوبي وهيكل الشيخاوي (الملعب التونسي) – أحمد العكايشي وياسين الشيخاوي (النجم) – محمّد سليم بن عثمان وأسامة الدراجي وزكريا العبيدي وأيمن المثلوثي (الافريقي) – زياد الزيادي (حمّام الأنف)... وغيرهم كثير. الحَقيقة المرّة تكشف «الهجرة العَكسية» للاعبين التونسيين حقيقتين صَادمتين ومُوجعتين. الحقيقة الأولى تقول إن الجمعيات التونسية تَقف على شفا الإفلاس الكروي بدليل تهافتها على أبنائنا المُغتربين كحلول ترقيعية وبدائل ظرفية لمُجابهة الأزمة الخطيرة ل»غياب» اللاعبين النّاجم عن «أزمة» أعمق وأخطر وهي التكوين. أمّا الحقيقة الثانية فإنها تكمن في الضّعف الفادح ل»المُحترفين» التونسيين بما أن مُغادرتهم للدوريات الأجنبية وعودتهم الجَماعية إلى بطولتنا المُثقلة بالمشاكل تُقيمان الحجّة على «فَشلهم» الذَريع في تجاربهم الخارجية. إلى الخلف سر استغلّت عدّة جمعيات «كبيرة» و»صَغيرة» فترة الانتقالات الصَيفية - الخَريفية لإستعادة «نُجومها» القديمة في مشهد مُثير للجدل ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن أنديتنا تسير إلى الخلف وليس إلى الأمام. وقد شكّلت هذه الظّاهرة الغريبة مادّة دسمة لبعض الظرفاء الذين أكدوا أن بعض جمعياتنا «المُحترفة» أصبحت شبيهة ب»وداديات القدماء» في إشارة سَاخرة من سياسة نفض الغبار عن ثلّة من «الكَوارجية» العائدين من الزّمن البعيد والمشكوك للأمانة في «صُلوحيتهم» وقدرتهم على تقديم اضافات نوعية على المدى المتوسط والبعيد (قد ينجح بعضهم في الظهور بوجه جيّد لفترة قصيرة اعتمادا على خبرتهم الواسعة وانضباطهم خارج الميدان). الترجي والإفريقي مثلا فرّطا في الجريدي و»البلبولي» وهما في أوج الشباب قبل إعادتهما إلى «باب سويقة» و»باب الجديد» وهما في آخر المشوار ولاشك في أن رجوع هذا الثنائي إلى مَهدهما الأوّل يُحرج كثيرا تاريخ الجمعيتين المعروفتين بتقاليدهما العريقة في تكوين أمهر وأشهر «الأسود» في الشباك («عتّوقة» والواعر نَموذجا). ومن جهته، استعاد «السي .آس .آس» نجمه القديم محمّد علي منصر بعد فترة من الضّياع واسترجعت «ليتوال» بدورها خدمات لاعبيها السّابقين أحمد العكايشي وياسين الشيخاوي المُلتحق بلائحة «المُخضرين» الذين عزّزوا صفوف الفريق في الفترة الأخيرة مثل الحناشي والعواضي وهذا التوجّه يهدف طبعا إلى تحقيق نتائج فَورية بما أن أنديتنا ودولتنا عُموما تعيش بمنطق «كلّ يوم ويومو» أمّا المُستقبل فهو غير مُهمّ. من «الميني فوت» إلى كرة القدم في ظاهرة أخرى فريدة في بطولتنا العجيبة انتدب نادي حمّام الأنف نجم «الميني فوت» عدي بلحاج إيمانا بقدراته الهُجومية وحاسّته التهديفية وتأمل إدارة بن حمزة أن ينسج عدي على منوال الفرنسي - التونسي وسام بن يدر عندما استهلّ مسيرته في اختصاص كرة القدم داخل القاعات قبل أن يدخل عالم الشهرة من بوّابة كرة القدم («كلّها كرة» على رأي البعض الذين توهّموا أن مدربا مُخضرما مثل المختار التليلي قد ينجح في «الميني فوت» قبل أن يكتشفوا أنه لكلّ لعبة خصوصياتها ومُتطلّباتها). والحقيقة أن صَفقة بلحاج مُميّزة وطريفة لكنها تُشكّل في نظر البعض مؤشرا اضافيا على حالة «الافلاس» التي تعيشها مراكز التكوين سواء في الجمعيات «الكبيرة» والتي تعيش تحت تهديد النتائج أوحتّى صُلب الأندية التي لها باع وذراع في صِناعة المواهب الكروية كما هو حال القيروان و»البقلاوة» وبنزرت وقابس وحمّام الأنف التي لجأت إلى لاعبي «الكرة المُصغّرة» بعد أن تخرّج منها ألمع «الكَوارجية» من هنيّة وتميم وحسني إلى بوسنينة وطاسكو وبن شويخة.