هو واحد من عشرات «الكَوارجية» الذين صَنعتهم الشبيبة القيروانية صاحبة الباع والذراع في تكوين المواهب وتموين الجمعيات الكبيرة والمنتخبات الوطنية التي لا تكاد تخلو من «الأغالبة» من تشكيلة الشتالي في 78 إلى الجيل الحالي وفيه خليل «الوَارث» للكرة عن والده الذي كان بدوره من الدُوليين. ضيفنا ليس سوى عامر دربال الذي استثمر مُؤهلاته الدفاعية ليجوب الملاعب التونسية والأجنبية من القيروان إلى أوكرانيا وبعد الاعتزال ظهر الرجل كمحلّل واسع الاطّلاع وصاحب خطاب مُقنع ما جعل فريقه الأمّ يستنجد به ليضطلع بمنصب «المَاندجار العام» المُكلّف ب»استنباط» كلّ الحلول الرياضية المُمكنة لتدور عجلة الشبيبة في الاتّجاه الصّحيح. وفي الحوار التالي يشرح دربال «أزمة» الشبيبة ويُعرّج على عدة ملفات أخرى مثل الانتدابات والمنتخبات والترجي الذي كان من المحطّات المُهمّة أيضا في مسيرة الرّجل. في البدء هل أن انتهت «اللّيالي السّود» في الشبيبة أم أن «الأزمة» ستشتدّ؟ عاشت الجمعية خلال السنة الرياضية الفارطة «أزمة» قاسمة للظّهر. فقد تزايدت الصراعات الداخلية وتلاحقت اضرابات «الكوارجية» بسبب التأخير الحاصل في صرف مستحقاتهم المالية ولن نبالغ في شيء إذا قلنا إن «الكابوس» الذي عرفته الشبيبة لا عهد لنا به منذ النشأة الأولى للفريق صاحب التاريخ المعروف والثّقل الكبير في الساحة التونسية. وقد كانت الأوضاع «كارثية» بكل ما تحمله الكلمة من معان ويكفي أن نتمعّن الأرقام القياسية على مستوى عدد الاضرابات ونستحضر أيضا حادثة رفض الفندق إيواء النادي في مشهد غريب عجيب وأثار استياء كل الغيورين على أبناء القيروان الذين لم يتصوّروا أن يدير صاحب النزل ظهره للفريق بعد تلك «العشرة» الطويلة كما أن أكبر المتشائمين في القيروان لم يتوقّع أن يَغدر الزّمن بهذا الصّرح الكروي الذي دفع غاليا ثمن غياب المال و»التَسييس» ويعرف القاصي والداني أن فريقنا «تَتجاذبه» جِهتان «مُتحزّبتان». لقد كانت الصّورة قَاتمة والآفاق مسدودة ومع ذلك فإن أبناء الشبيبة رفضوا رمي المنديل وتمسّكوا بخيط الأمل وأظن أنّ «الأزمة» في طريقها إلى الانفراج. كيف ذلك؟ تُعاني الجمعية من ثلاثة مشاكل أساسية تتعلّق بالجوانب الإدارية والمالية والتنظيمية. وقد ظهرت مؤخرا عدة مؤشرات ايجابية تؤكد بأن الوضع في الشبيبة القيروانية يسير نحو الأفضل. من الناحية الإدارية، حُسم أمر «الحكم» لفائدة حافظ العلاني وهو ما من شأنه أن يساهم في نزع فتيل الصراعات الجانبية. كما تشهد الهيئة الحالية جملة من التعزيزات النوعية ما سيضفي فاعلية أكبر على مردودية المُسيّرين وأنا على يقين بأن الجمعية ستصبح أقوى بعد تصفية القلوب وتوحيد الجهود وقطع الطريق على الجهات التي تُريد استغلال الجمعية لغايات شخصية وحسابات سياسية. أمّا على المستوى المادي والتنظيمي فإننا نبذل قُصارى جُهدنا لتحقيق قفزة نوعية وانتفاضة حقيقية ويُمكنني في هذا الصّدد أن أستعرض جملة الاجراءات العملية التي قمت بها من مَوقعي ك»مَاندجار عام». لقد فعلنا المستحيل لتنفيذ سياسة «تَقشفية» الهدف منها تخليص الجمعية من الأعباء المالية الكبيرة التي تسبّبت في تَأزيم الأوضاع. وتشير لغة الأرقام إلى أنّ نجحنا في الحدّ من رواتب اللاعبين من 80 ألف دينار إلى 35 مليونا كما تقلّصت نفقات الإطار الفني المُوسّع من 32 مليونا إلى 20 مليونا. وعثرنا على خطّة ذكية لنحتفظ بالملايين التي كانت تُرصد لتأمين الاقامة والمعيشة للاعبين في الفندق والمطعم وبادرنا في هذا السياق بكراء شقق مُؤثثة مقابل أسعار معقولة. وحتّى لا نغوص كثيرا في التفاصيل نشير إلى أن «الإدارة الرياضية» وَفّرت لخزينة الجمعية حوالي 450 مليونا وهو مبلغ ضخم كان سيذهب هباءً منثورا بفعل سوء التصرّف. هذا عمل جيّد لكن ما هي خطّتكم لمعالجة ملف الزاد البشري الذي له تأثيرات مُباشرة على مستقبل الشبيبة في رابطة «المحترفين»؟ بالتوازي مع ترشيد النّفقات وضعنا الاستراتيجيات اللاّزمة للظّفر ببعض التعزيزات التي بوسعها أن تقدّم الاضافة للجمعية وحرصنا طبعا أن تكون هذه الانتدابات بأقل التكاليف المُمكنة لأن الجمعية دخلت كما أسلفنا الذّكر في سياسة «تَقشفية» ولا طاقة لها بتحمّل مَصاريف ضخمة على «الكَوارجية». ونجحنا كما هو معروف في التعاقد مع عدة عناصر واعدة مثل العزيبي والمحايسي والمالي «كامارا» كما استطعنا إقناع الثنائي الفريوي وباشا بالتجديد وتوصّلنا كذلك إلى اتّفاقات أولوية مع العويشي والعيوني وبوشنيبة ومازالت المفاوضات متواصلة مع الصالحي وساسي والحقيقة أنه ليس من الهين اقناع اللاعبين بالبقاء في ظل عدم حصولهم على مستحقاتهم لفترة لا تقلّ عن خمسة أشهر فكل القوانين المحلية والدولية تصبّ في مصلحتهم في مثل هذه الوضعيات «الخِلافية». هذا ويخضع ثلاثة لاعبين أجانب إلى الاختبار تمهيدا لانتداب أحدهم أوجميعهم والأمل معقود طبعا على الإطار الفني لتوظيف الزاد البشري المُتوفر بحوزته بشكل جيّد لتنجح الشبيبة في تحقيق المطلوب وثقتنا طبعا عالية في الحبيب بن رمضان ونجيب خواجة لاستعادة «أيام العز» خاصّة أنهما من أبناء الدار وتحتل الجمعية مكانا خاصا جدا في قلبيهما. وقد لعبت شخصيا مع بن رمضان وخواجة في الفترة الزاهية للشبيبة القيروانية وقد شاءت الأقدار أن يجتمع شملنا من جديد مع اختلاف في المواقع والمُهمّ أننا نضع اليد باليد من أجل مصلحة واحدة وهي نجاح الفريق. مجرّد النّطق بإسم القيروان يقفز ملف التكوين إلى الأذهان. فهل من أفكار واضحة وبرامج هادفة لاسترجاع تقاليدكم العريقة في هذا المجال؟ الشبيبة تعيش «أزمة» شاملة ومشاكل عاصفة وقد كان التركيز كبيرا على انقاذ الفريق الأول من الضياع لكن دون أن نَغفل عن فرع الشبان الذي يحظى بمكانة رفيعة في مسيرة الجمعية. من جانبنا نحاول استثمار كل معارفنا الكروية وخبراتنا الميدانية للنهوض بالأشبال وقد بادرنا بإبرام اتفاقية تعاون مع أحد مراكز التكوين في الكوت ديفوار كما أننا نحرص على جودة المنتوج القيرواني ونحن على وعي تامّ بحجم النقائص خاصة في ظل غلق مركز التكوين الذي عرف أوج إزدهاره في عهد صالح الصيد. وهذا المركز تخرّج منه أشهر «الكوارجية» بداية بشخصي المتواضع مرورا بالمرحوم لسعد الورتاني ولطفي السلامي ومحمد علي اليعقوبي وزهير الذوادي وأمين الشرميطي... وغيرهم كثير. والأمل معقود على كل مكونات العائلة القيروانية لدفع هذا الملف الثقيل وإعادة فتح مركز التكوين الذي سيؤثّر في المستقبل المتوسّط والبعيد للجمعية. والجميل في «أزمة» الشبيبة أنها كانت مفيدة من حيث إدماج عدد كبير من أبناء الفريق وهو أمر فرضته الضَربات المُوجعة التي تلقتها الجمعية و»الهجرة» الجماعية لثلة من «الركائز». ولاشك في أن التعويل على المنتوج «المحلي» مُؤشر جيّد شرط توفير التأطير اللازم للشبان الصّاعدين. من خلال تجربتك الميدانية والتسييرية كيف تحكم على سياسات الانتدابات في الكرة التونسية؟ المنطق يفرض أن تكون التعزيزات مدروسة وأن تُسند هذه المهمّة لأهل الذّكر: أي الإطارات التدريبية واللّجان الفنية و»الإدارات الرياضية» والحقيقة أن قلّة قليلة من الجمعيات التونسية التي تتقيّد بالشروط الموضوعية في ملف الانتدابات. ويعرف القاصي والداني أن هذا الملف يُديره في أغلب الأحيان الرؤساء كما أنه يخضع إلى التأثيرات الجانبية من الوسطاء والوكلاء ولا تخلو الانتدابات أيضا من عنصر الولاءات والعلاقات. هل تؤمن بدور «المدير الرياضي» و»المَاندجار العام»؟ المُحاولات مستمرّة لتعميم هذه الخطة وابراز أهميتها الكبيرة في الجمعيات والمنتخبات ومن المعلوم أن صاحب هذه الوظيفة يتولّى وضع الاستراتيجيات وتحديد السياسات على المستوى الرياضي وحتى على صعيد التصرّف المالي. شَغلت «الأزمة الفنية» للترجي الناس فكيف تقرأ الوضعية في «باب سويقة» التي كنت فيها من المُتوّجين بالبطولات؟ فاز الترجي برابطة الأبطال عام 2011 وعجز في الأعوام المُوالية في استرجاع تاجه الافريقي وهو ما يستوجب وقفة تأملية وعملية تقييمية دقيقة يقع من خلالها تشخيص الداء قبل اتخاذ التدابير الضرورية لتحقيق الاقلاع على الصعيد القاري بحكم أن الفريق نجح بإمتياز في الرّهانات المحلية. كملاحظ من خارج الحديقة «ب» أظنّ أن الفريق يُعاني فراغا واضحا ومستمرا على المستويين الدفاعي والهجومي وهذا الأمر ناجم عن غياب أسماء ذات ثقل مع توفّر بدائل جيّدة في المنطقتين المذكورتين. وهذا العائق ناتج حتما عن الأخطاء المرتكبة في سياسة الانتدابات وعدم إدماج الوافدين الجُدد في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة كما حصل من قبل مع الجعايدي والمالكي على سبيل الذّكر لا الحَصر. واستبعد شخصيا مسؤولية الإطار الفني عن هذه المتاعب خاصة أنها كانت بارزة للعيان في فَترتي السويح والبنزرتي ولم تَنته كذلك مع قدوم بن يحيى. وأحسب أن الزاد البشري الحالي للفريق قد يُخوّل له الهيمنة على المنافسات المحلية لكنه يتّصف بالمحدودية على الصّعيد الدولي وسيكون من الصعب أن يبسط النادي نفوذه على رابطة الأبطال الافريقية التي نأمل أن تكون تونسية رغم النقائص الكبيرة في الترجي والنجم الذي من الواضح أنه انتدب عددا من أصحاب الخبرة أملا في تحقيق النتائج بصفة عاجلة. كيف تقيّم الوضع في منتخباتنا الوطنية خاصة في ظلّ خيبات الشبان والتغييرات الحاصلة في الأكابر؟ ظهر منتخبنا الوطني الأول بأداء هزيل في المونديال الروسي وكنّا على يقين بأن العبور غلى الدور الثاني من الأماني البعيدة في ظلّ صعوبة المَهمّة أمام أنقلترا وبلجيكا. وكان أملنا الأكبر أن يُقدّم فريقنا مردودا غزيرا كما فعل مثلا الفريق المغربي الذي نال استحسان الجميع رغم عدم تأهله وأظن أن التغيير الحاصل على مستوى الاطار الفني كان منطقيا ولاشك في أن وضع الثقة في فوزي البنزرتي يعتبر من القرارات المنطقية قياسا بخبرة الرجل الذي تقول كلّ الاحصائيات إنه الأفضل على الساحة المحلية. وأظن أن التركيبة المُوسّعة للإطار الفني قادرة على النجاح بحكم أنها تضمّ أسماءً معروفة سواء تعلق الأمر بالبنزرتي أوكذلك الكنزاري والعقبي والقصراوي الذي قد يفتقد إلى الخبرة الميدانية كمدرب للحراس لكنّه متحصل على الأستاذية في الرياضة وله تجربة محلية واحترافية ثرية ما سيساعده على القيام بالمطلوب في المنتخب. ولابدّ من دعم الإطار الفني مع احترام حق الاختلاف خاصة على مستوى الخيارات البشرية كما حصل مؤخرا مع أيمن المثلوثي والفرجاني ساسي واعتبر شخصيا أن «البلبولي» أعطى الكثير للفريق الوطني وقد حان الوقت ليعتزل اللّعب مع المنتخب لأنّه لم يَعد قادرا على تقديم الاضافة. أمّا بخصوص ابعاد الفرجاني فقد يكون مُؤقتا وما هو ثابت أن المدرب تخلّى عنه لحسابات فنية بحتة. ذلك أن البنزرتي يحبّذ لاعبا بارعا في افتكاك الكرة على مستوى خط الوسط. ولاشك في أن الفرجاني أمام حتمية تحسين هذا الجانب ليستعيد مكانه المُعتاد في صفوف «النسور». ونأتي إلى منتخبات الشبان لنؤكد أن المستوى المتواضع لأشبالنا وخروجهم مُؤخّرا من التصفيات الافريقية (الأصاغر والأواسط) يفتح ملف العمل القاعدي والسياسات المُتّبعة في اختيارات الإطارات التدريبية المشرفة على هذه الفئات العمرية.