طوال شهر سبتمبر التقى رئيس الجمهورية بعديد الشخصيات السياسية والخبراء الاقتصاديين للتباحث معهم حول الوضع العام في البلاد وحول الحلول الممكنة بعد ان اشتدت الازمة في كل المجالات، ما يدفع الى التساؤل عن الخيارات الممكنة اليوم للانقاذ.. تونس (الشروق) اتجهت الانظار طوال الشهر الماضي الى اللقاءات التي اجراها رئيس الجمهورية مع عديد الشخصيات السياسية والاقتصادية في البلاد وما قد تتضمنه حملته في طياتها من حلول ممكنة لتحقيق الانقاذ بعد ان اتضح ان الخيارات السياسية والاقتصادية التي وقع اعتمادها في السنوات الاخيرة قد فشلت في تحقيق انتظارات التونسيين. سياسيا، شملت اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية كلا من رئيس حركة النهضة في مناسبتين والامين العام لاتحاد الشغل في مناسبتين ايضا ورئيس مجلس النواب محمد الناصر في مناسبتين. أما اقتصاديا فقد شملت الخبير عز الدين سعيدان ورئيس منظمة «كوناكت» طارق الشريف ومحافظ البنك المركزي السابق ورئيس مركز الهادي نويرة للاستثراف والدراسات التنموية توفيق بكار وعددا من خبراء المركز. كما اعتبر المتابعون ان لقاء نور الدين الطبوبي يمكن ادراجه في السياق الاقتصادي الاجتماعي نظرا للدور المحوري لاتحاد الشغل في هذا المجال. اصلاح سياسي اللقاءات ذات الطابع السياسي التي عقدها رئيس الدولة اعتبرها المتابعون ضرورية ويجب ان تتكرر من اجل توفير اكثر ما يمكن من اجماع على ضرورة تغيير الخيارات السياسية في البلاد والتي اتضح مع تقدم الوقت انها لم تكن في مستوى الانتظارات ولم تحقق الهدوء المطلوب. وفي هذا السياق شدد الخبير في ادارة الازمات والناشط السياسي سفيان بالناصر على ان البلاد اصبحت اليوم فعلا في حاجة الى «رجة» كبرى تشمل الشأن السياسي حتى تقدر على تجاوز أزمتها الخانقة. وقال بالناصر في تصريح ل"الشروق"أن ذلك لن يتسنى إلا باعادة مراجعة شاملة للنظام السياسي بعد ان جربت البلاد النظام البرلماني المعدل الذي خلق مشاكل عديدة على مستوى تسيير البلاد وخاصة في ما يتعلق بالسلطة التنفيذية الموزعة بين رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب وليست له صلاحيات ووقع اضعافه وتهميش دوره، ورئيس حكومة معين وله صلاحيات كبرى. وهذا ما تسبب على حد قوله في تغييب فظيع لارادة الناخبين وفي ضرب التمثيلية الشعبية الحقيقية وفي اضعاف الدولة. واعتبر بالناصر انه آن الاوان للمرور الى نظام واقعي وذلك عبر تعديل الدستور مشدّدا على ان الدستور «ليس مقدّسا» وانه يمكن تنقيحه في اي وقت مثلما يحصل ذلك في الدول المتقدمة التي تنقح دساتيرها باستمرار تماشيا مع التطورات العامة في البلاد. وقال ان النظام المناسب اليوم للوضعية التونسية هو النظام الرئاسي المعدل الذي يمنع السقوط في الديكتاتورية مع ضمان توازن حقيقي بين السلطات ورقابة متبادلة في ما بينها ويكون فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة ومنتخبا مباشرة من الشعب ويمثل الارادة الحقيقية للناخبين حتى يمكن مطالبته ومحاسبته في الآن نفسه. نظام انتخابي أضاف سفيان بالناصر انه بالتوازي مع ذلك يجب تغيير النظام الانتخابي الحالي الذي لا يسمح اليوم بوجود اغلبية حقيقية داخل البرلمان ويسمح في المقابل بوجود أقلية معطلة للعمل التشريعي ولعمل الحكومة. وهو ما اجبر رئيس الجمهورية على الانخراط في سياسة التوافق وعلى تشريك عدة أطراف في اتخاذ القرار، من منظمات وطنية ومعارضة ومجتمع مدني، وذلك تفاديا لكل التعطيلات الممكنة لتمرير النصوص التشريعية داخل البرلمان. احترام الناخب من جهة أخرى قال المتحدث ان الاحزاب السياسية فقدت دورها الحقيقي في معاضدة الانتقال الديمقراطي في السنوات الماضية وضعفت بشكل كبير لانها كانت ضحية هذين النظامين السياسي والانتخابي الخاطئين وتعرضت للانقسامات وللأزمات المختلفة. وهو ما ادى الى ضرب المشهد السياسي برمته وكذلك المسار الديمقراطي باعتبار ان الديمقراطية والاستقرار السياسي يفترضان وجود أحزاب قوية وفاعلة وليست احزابا مهمشة وضعيفة وتعاني من المشاكل الداخلية كما هو الحال اليوم في تونس. وأكثر من ذلك اتهم المتحدث ما وصفه ب"آفة" السياحة الحزبية والبرلمانية وندد في هذا السياق بعدم وجود نواميس وضوابط اخلاقية لدى السياسيين وهو ما يتطلب فرض الانضباط السياسي والحزبي والبرلماني عبر القوانين. فذلك كفيل بضمان التمثيلية الحقيقية للشعب الناخب ويحميه من «التحيل» السياسي الذي اصبحنا نعيشه يوميا ويضمن احترام السياسيين لتعهداتهم ولالتزاماتهم تجاه من انتخبوهم.. كما يتطلب الوضع ايضا فرض الممارسة الديمقراطية داخل الاحزاب حتى لا يضطر ابناؤها لمغادرتها نحو وجهة سياسية اخرى وبالتالي خيانة ناخبيهم وما قد ينجر عن ذلك من عزوف المواطن عن الممارسة السياسية وعن الانتخابات. انقاذ اقتصادي على الصعيد الاقتصادي، اتجهت الانظار ايضا الى لقاءات رئيس الجمهورية الاخيرة والتي جاءت في وقت تستعد فيه البلاد لاعداد قانون المالية القادم ويمكن ان تمثل مخرجاتها – رغم محدودية صلاحيات رئيس الجمهورية – حلولا ممكنة لتحقيق الانقاذ الاقتصادي إذا ما أخذتها الحكومة بعين الاعتبار او اذا ما حاول رئيس الدولة فرضها استنادا الى سلطته المعنوية او لصلاحياتها في مجال الأمن القومي. ومن هذه الاصلاحات الاقتصادية الممكنة حسب توفيق بكّار هي تدابير عاجلة للإصلاحات الهيكلية والقطاعية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي على غرار إعادة النظر في محتوى منوال التنموية في مختلف المجالات ( فلاحة – صناعة – سياحة – تجارة – خدمات) وتطوير النظام الجبائي واحتواء الاقتصاد الموازي وادراجه في الاقتصاد المنظم عبر آليات مختلفة والبحث عن آليات جديدة لتخفيف الضغط على الدينار لتعبئة موارد الدولة بالعملة الصعبة دون اللجوء الى التداين الخارجي الذي يزداد بنسق كبير من سنة إلى أخرى دون أن يكون موظفا لتطوير نسق التنمية حيث يبلغ اليوم 70 مليار دينار. كما سبق لتوفيق بكار ان تحدث عن ضرورة مراجعة القوانين المحددة لصلاحيات البنك المركزي ومنع تداخلها مع الصلاحيات التي من المفروض ان تقوم بها الحكومة في المجال المالي.