الاعلان عن موعد انطلاق الاستخراج الحيني لوثائق السفر    العاصمة: وقفة احتجاجية أمام سفارة فرنسا دعما للقضية الفلسطينية    نشرة متابعة: أمطار غزيرة غدا الثلاثاء    الكاتب العام الجهوي لنقابة التاكسي يروي تفاصيل تعرّض زميلهم الى "براكاج"    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة : اصابة 4 ركاب في إصطدام سيارتين    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    فتح تحقيق في وفاة مسترابة للطبيب المتوفّى بسجن بنزرت..محامي يوضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور شاكر الحوكي ل«التونسية»:الحكومة «ديكور».. والسلطة الفعلية في «قرطاج»
نشر في التونسية يوم 18 - 04 - 2016


مبادرة تعديل الدستور محاولة للقطع مع الأفق الثوري
«آفاق تونس» و«الحرّ» جناحان ل«النداء»
نشهد محاولات للتطبيع مع الفساد والاستبداد
حوار: أسماء وهاجر
بعد 5 سنوات من قيام الثّورة يظل التساؤل المطروح أمام قصائد مدح الثورة التي ما انفك ينظمها سياسيون ومن نالتهم منافع الثورة هو: أين وصلت العدالة الاجتماعية وهل استرجع التونسي كرامته أم فقط رحل رأس النظام فيما بقيت الماكينة تشتغل وكلّ ما حصل هو مجرد ترميم شكلي لنظام وآليات لازالت في عنفوانها لتبقى الخيبة العنوان الأبرز لكافة المشهد الذي اختصرت فيه الاحداث برمتها في «معارك بين سياسيين أصبح بعضهم نجوما في منابر تلفزية» تبحث عن أي سبب لخلق الإثارة وصنع الBuzz؟ واليوم بعد سنوات من المدّ والزجر والسفسطة اللفظية والمصروف اللغوي ظهر هاجس تنقيح الدستور وتغيير النظام الذي علق عليه الشلل في التواصل بين القصبة وقرطاج وباردو وعاد الحديث عن المصالحة الاقتصادية التي يرى البعض أنّها تطبيع مقنع مع الفاسدين لتبقى الملفات الحارقة والهواجس الحقيقية معلقة. هذه النقاط وغيرها كانت محور حوار «التونسية» مع الدكتور شاكر الحوكي -أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس له العديد من المؤلفات آخرها كتاب حول الاسلام والدستور- الذي اعتبر أنّ مبادرة تعديل الدستور هي محاولة أخرى للقطع مع الأفق الثوري واننا نعيش عمليا في ظل نظام رئاسوي مقنع.
هل تغيرت الدولة كعقلية وذهنية بعد الثورة بمعنى هل قطعت مع دولة الأمس أم هل ما وقع مجرد ترميمات على واجهة المشهد السياسي؟
- التغيير حاصل لا محال ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح يتعلق بأمر آخر : هل أن هذا التغيير جزئي أم كلي وهل هو ثابت لا رجعة فيه أم انه في تراجع ونكوص؟
وعلى أية حال الأصل في الدولة أنها شعب وإقليم وسلطة سياسية وقدرة على احتكار وسائل العنف الشرعي. أما العقلية أو الذهنية فقد تكون مرتبطة أكثر بالسلطة السياسية وكل السلطات التي تدور في فلكها. وفي هذا المستوى يمكن القول أن ذهنية السلطة في العهد البائد نفسه عرفت بدورها تطورا وأن هذا التطور قد عبر عنه المخلوع في خطاباته الأخيرة قبل الثورة عندما عبر عن استعداده للانفتاح على كل الطيف السياسي بما فيه حركة «النهضة». وهذا تطور أمكن ملامسته في الفترة الأخيرة من حكم بن علي ووجد تفاعلا لدى أوساط نخبوية عديدة. المفاجأة أو المشكل الذي حدث هو أن حركة «النهضة» بعد الثورة برزت كطرف رئيسي في المشهد السياسي وهذا ما أثار حفيظة كل نظام بن علي وكل من يدور في فلكه. فما كان النظام القديم –وهو نظام مازال مستمرا إلى الآن- مستعدا بقبوله هو مشاركة جزئية ل«النهضة» في السلطة بحضور برلماني لا يتجاوز ٪20 كما هو الحال في الأردن والمغرب والجزائر ومصر ولكن ما حدث أن «النهضة» -وهنا المفاجأة أو الصدمة- احتلت صدارة المشهد السياسي وهذا ما لم يكن احد مستعدا لقبوله . وكل الهدوء الذي يطبع المشهد السياسي اليوم -وهو هدوء ظاهري- مرده أن «النهضة» موجودة على أطراف السلطة وليس على رأسها. ولعل هذا ما أدركه الشيخ راشد الغنوشي عندما تساءل «لماذا يكرهوننا»؟ أو قوله أثناء التوتر الحاد الذي حصل على اثر اغتيال الحاج محمد البراهمي والدعوة إلى حل المجلس التأسيسي: «ينبغي أن نخرج من الحكم قبل أن يسقط السقف على رؤوسنا». والنتيجة انه أدرك أن المشاركة في السلطة مجددا كطرف رئيسي يحتاج إلى وقت طويل وأنّ هناك حاجة إلى التطبيع مع النخب التونسية وأجهزة الدولة التنفيذية والإدارية. وهنا يمكن الحديث فعلا عن ذهنية كاملة للسلطة في تونس.
وهنا لا بد من التمييز بين عقلية النظام قبل الثورة التي نعرفها جميعا وعقلية السلطة السياسية في حقبة «الترويكا» والتي طمحت أو بالأحرى طمحنا فيها جميعنا إلى تأسيس «قصة أو رواية جديدة» حسب عبارة «حنا ارندت» وعبرت عنه سامية عبو احد نواب المجلس التأسيسي ب«الحلم» وذلك قبل أن تداهمنا موجة الاغتيالات والإرهاب. حيث كان الجميع يشعر بأننا نخوض مغامرة الحرية والقدرة على الاستطاعة والفعل ولم تكن المطلبية المشطة آنذاك التي فرضت نفسها بعد الثورة إلا إفرازا طبيعيا لهذا الشعور. وهناك مرحلة ما بعد «الترويكا» وهي مرحلة تميزت بعودة المنظومة القديمة من خلال استقطاب رموزها وخطابها وتماثيل بورقيبة فضلا عن جملة من المشاريع القوانين التي تتنزل في إطار ذهنية وعقلية المنظومة القديمة بامتياز على غرار ما سمي بمشروع المصالحة الاقتصادية بوصفه محاولة للتطبيع مع الفساد وتعديل الدستور بوصفه محاولة أخرى للتطبيع مع الاستبداد.
أحد المحللين السياسيين اعتبر انه لم يعد للبرلمان اليوم أية شرعية طالما أصبحت تركيبته مخالفة لإرادة الشعب وأنّ السلطة اليوم هي سلطة غير شرعية «اغتصبت الحكم وتقيأت الناخبين». ما تعليقك على ذلك؟
تغير تشكيلة البرلمان مؤخرا بما أتاح ل«النهضة» أن تصبح الكتلة البرلمانية الأولى بعد نزيف الاستقالات التي طالت حركة «نداء تونس» يجعل من الدستور على هامش الحدث السياسي. ويطرح أكثر من سؤال حول مدى تطبيق الدستور التطبيق الأمثل . ذلك أن الوضع البرلماني الجديد يفترض إعطاء «النهضة» حق تشكيل الحكومة إمّا باستقالة حكومة الصيد الطوعية وإمّا بسحب الثقة منها عبر توجيه لائحة لوم لها. والحقيقة أن الدستور لم يقرأ حسابا لمثل هذه الحالة وهي حالة يصعب التعاطي معها دستوريا ومنطقيا في نفس الوقت. فالمنطق يقول أن الأغلبية البرلمانية التي على أساسها تشكلت حكومة الحبيب الصيد تلاشت وبالتالي فمن الضروري إعادة تشكل الحكومة وفقا للأغلبية الجديدة غير أن الدستور لا يسمح بإقالة الحكومة إلا متى تحققت جملة من الشروط لعل أهمها تحقيق الأغلبية المطلقة أي 2/3 نواب المجلس وهو ما يشبه المستحيل بالنسبة ل«النهضة».
ولعل حركة «النهضة» أدركت أن موازين القوى الفعلية وإن تغيرت فإنها لم تتغير إلا بشكل سطحي لذلك لم تتردد بالتصريح بدعمها لحكومة الصيد وبأنها تبحث عن الاستقرار ولا تبحث عن الحكم. فالكتلة الجديدة وقد باتت تسمى «الحرة» ما زالت تشارك الكتلة الأم نفس الخيارات بخصوص دعم رئيس الدولة والحكومة وقطع الطريق على عودة «النهضة» إلى الحكم. كما أن حزبي «آفاق تونس» و«الاتحاد الوطني الحر» يبدو أن الجناحين الحقيقيين لحركة «النداء» التي ستتدخل في الوقت المناسب لتحلق بالجسم المتهالك بعيدا عن مخالب الحمائم !. ذلك أن انسحاب النداء من السلطة سيعود بالضرر عليهما لا محالة ومن هنا يمكن أن نفهم دعوة بعض الأطراف لإنشاء ما سمي بالأغلبية الرئاسية.
أما عن إرادة الشعب فقد تجسدت من خلال الانتخابات ووضع الدستور وفي كلتا الحالتين ليس هناك ما يستدعي اليوم القول إن هناك إخلالا بشرعية البرلمان أو إخلالا بإرادة الشعب على خلفية التحولات التي حدثت على مستوى الكتل البرلمانية طالما لم يقع انتهاك الدستور (في هذه النقطة) ولم يتم إلغاء أو تجاوز موعد الانتخابات القادمة.
يرى البعض أن النظام البرلماني لا يتلاءم مع التجربة التونسية لأنه يحتاج الي وعي سياسي كبير حتى لا ينحرف في اتجاه التسلط والفساد، ما رأيكم في ذلك؟
النظام البرلماني في تونس فرضية لم تتحقق بعد لا على مستوى الواقع ولا على مستوى النص الدستوري. فرئيس الحكومة ليس القطب الرئيسي والوحيد في السلطة التنفيذية والبرلمان لا توجد فيه معارضة قوية ولم يكشف عن جرأة في طرح المبادرات التشريعية أو حتى مراقبة الحكومة. نحن الآن نعيش عمليا في ظل نظام رئاسوي على الطريقة التي كانت موجودة في النظام البائد ولكنه مقنع. وكل ما في الأمر أن رسم السياسة العامة للبلاد وممارسة السلطة الترتيبية والتي كانت من اختصاصات رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور السابق يفوضها جزئيا أو كليا إلى الوزير الأول، باتت كلّها اليوم من اختصاص رئيس الحكومة. غير أن رئيس الحكومة الذي يبدو أقرب إلى منصب الوزير الأول بمقتضى دستور 1959 منه إلى أي شيء آخر لا يمارس هذه الصلاحيات إلا وفق تعليمات رئيس الجمهورية وما يسطره له من سياسات وهذا ما تأكد في عديد المواقف.
أما عن السلطة البرلمانية في حد ذاتها فهي سلطة موجودة في كل الأنظمة السياسية بمعزل عن طبيعتها سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو شبه رئاسية. بل أن الحقيقة التي لا يعرفها عامة الناس أن دور البرلمان في الأنظمة الرئاسية أقوى من دوره في الأنظمة البرلمانية ذاتها ! فالسلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي سلطة مزدوجة تقوم على غرفتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ وهي سلطة تتمتع بصلاحيات ضخمة تصل إلى حد ملاحقة رئيس الدولة جزائيا ورفع الحصانة الديبلوماسية عنه فضلا عن الاعتراض على سياساته من خلال إمّا رفض التصويت على الميزانية أو عدم المصادقة على الاتفاقيات التي يبرمها دون أن يملك رئيس الدولة في المقابل أيّة إمكانية لحل مجلسي النواب والشيوخ أو حتى التقدم بمبادرات تشريعية! وبهذا المعنى يمكن القول إنّ الدعوة إلى تطبيق نظام رئاسي حقيقي لن تؤدي إلا لإضعاف دور رئيس الدولة، غير أنها في الحقيقة- في سياقنا التونسي - ليست إلا دعوة مبطنة الغاية منها العودة إلى النظام الرئاسوي الذي كان موجودا قبل الثورة.
وعلى أية حال يمكن القول إن سلطة البرلمان كانت معطلة وضعيفة في دستور 59 بسبب تغول دور رئيس الجمهورية واحتكاره جل الصلاحيات تقريبا. والعودة الواقعية المتدرجة إلى هذا النظام –نتيجة تغول السلطة التنفيذية وهو تغول مازال يطلب المزيد- يمكن وصفها بأحد العوامل التي تفسر تعطيل دوره مجددا بعد الانتعاشة التي عرفها أثناء حقبة «الترويكا» .
قلت في إحدى مقالاتك إن المعارضة تعيش في حالة من الارتباك والعجز بسبب عدم إدراك استحقاقات التحولات الديمقراطية وأنه بسقوط النظام سقطت معه كل المنظومة التي كانت مرتبطة به بما فيها خطاب المعارضة، ماذا تقصدون بذلك؟
- كان ذلك في إشارة إلى المعارضة التي تصدت لحكومة «الترويكا» دون أن تقدم خطابا جديدا يرتقي إلى طبيعة المرحلة التي انبثقت عن الثورة وبقيت حبيسة الأفق السياسي الذي رسمه المخلوع في المرحلة السابقة؛ من اتهام حركة «النهضة» بالمتاجرة بالدين وافتقادها العمق الشعبي والعمل ضمن أفق أجندات أجنبية.
أما معارضة اليوم فهي مغيبة وضعيفة ومشتتة وغير قادرة على التفاعل مع طبيعة اللحظة وهذا مشكل لا يعود السبب فيه لأحزاب المعارضة فقط وان كانت تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية ولكنه إفراز لنتائج الانتخابات وخيارات المواطنين الذين بدورهم لم يدركوا طبيعة المرحلة ويتحملون الجزء المتبقي من المسؤولية.
الثورة يجب أن تقطع مع الماضي في جميع مستوياته فهل ما وقع بتونس في تقديركم ثورة؟ أم انتفاضة؟
- نظرية القطع مع الماضي ارتبطت بالتجربة الثورية الفرنسية ولكن الثورة الأمريكية قامت على أساس التواصل مع الإرث الروماني وقد بينت حنا ارندت في كتابها المرجعي «في الثورة» كيف أن الثورة الأمريكية نجحت في حين أن الثورة الفرنسية فشلت. الإصرار اليوم على القطيعة كعنصر أساسي في قيام الثورات هو محاولة للقول إن ما حصل في تونس لم يكن ثورة.
في تقديري ما حصل كان ثورة لاسيما على مستوى المقدمات أما بالنظر إلى النتائج فمازال الأمر يحتاج إلى بعض الوقت لنشكل حكما نهائيا. وفي كل الأحوال فهناك نوع من القطيعة النفسية والسياسية والقانونية (غير المكتملة بطبيعة الحال) التي تحققت ولا يمكن إنكارها .
لقي قانون المجلس الأعلى للقضاء المصادق عليه من قبل النواب انتقادا شديدا من هياكل المهنة التي اعتبرت أنه «لا يستجيب الى تطلعات القضاة ويحتوي على عدد من الهنات التي تتعلق بتمثيلية القضاة المنتخبين وبصلاحيات المجلس» فيما يعتبر البعض الآخر انتقاده ورفضه نوعا من السمسرة من قبل هياكل القضاء. ما تقديركم لذلك ؟
- في الواقع لست معنيا بالتجاذبات التي تخترق صفوف القضاة ...ولكن الثابت أن هناك إخلالا شكليا تمثل في خرق الفصل 62 من الدستور وهو إخلال وصف من قبل الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع دستورية القوانين بالجوهري و«يقوم مقام النيل من كيان الخيارات الأساسية للحكومة وتصورها للمجلس الأعلى للقضاء». ويبدو انه لم يقع إصلاحه بشكل جذري رغم بعض الترميمات التي أدخلت هنا وهناك . والآن فقد عاد الأمر مجددا إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين لتحسم في الموضوع نهائيا.
هل صحيح أنه لا توجد نية حقيقية لإرساء منظومة حكم محلي على ضوء مشروع قانون البلديات أم أن الأرضية غير ملائمة لذلك؟
- الأرضية غير ملائمة هذا صحيح، ولكن الإشكال يكمن في النوايا... ودعوة بعض الأطراف مؤخرا بمن فيهم رئيس الجمهورية الحالي إلى تعديل الدستور من اجل توسيع صلاحياته ينطوي على الرغبة في تركيز كل السلطات في يد جهة واحدة. وهي ذهنية لا تتناسب مع فلسفة الحكم المحلي الذي يقوم لا فقط على تقاسم السلطات ونقلها من المركز إلى الجهات ولكن يقوم أيضا على إضعاف سلطة المركز.
يعتبر بعض المحللين السياسيين أن الائتلاف الحاكم فشل في تحقيق النقلات النوعية والأساسية وفي إعادة البلاد للعمل وفرض هيبتها لأنها جسد عليل نخرته الأمراض. كيف تقرؤون هذا التشخيص؟
- يبدو الحديث عن الائتلاف الحاكم محاولة لتعويم المسائل والتملص من المسؤولية. في تونس الآن هناك ائتلاف ديكوري والحاكم الفعلي هو قصر قرطاج. وعندما أقول قصر قرطاج فلا اقصد الباجي قائد السبسي وتصوره لمستقبل البلاد فقط ولكن كل مستشاريه ورجال الأعمال وجماعات الضغط التي تمارس عليه وتدفعه إلى الذهاب في وجهة دون الأخرى.
يرى خبراء الاقتصاد أن الوضع الاقتصادي في تونس في أسوإ فتراته بسبب منوال التنمية المعتمد وارتفاع المديونية والاملاءات من قبل المؤسسات العالمية، فهل ترى أن العلة تكمن في هذه الأسباب أم في بعض رجال السياسة الذين لا هم لهم سوى السلطة واقتسام الغنيمة؟
- اقتسام الغنيمة عبارة مبتذلة فالسياسة في كل مكان هي بحث عن السلطة والثروة والمهم أن يكون هذا التقسيم على أسس عادلة وواضحة وألا يكون عملية احتكار مركزة لفائدة طرف على حساب الشعب وبقية الأطراف. ومن هذا المنظور يمكن القول أن توزيع الثروة والسلطة هو واحد من أهداف الثورة التي ينبغي أن تتحقق وتحققها مازال يواجه صعوبات كبرى. والحقيقة أنّنا نعاني من خيارات سياسية واقتصادية تمت منذ الاستقلال وتدعمت في الحقبة النوفمبرية وأن هناك صعوبة في مراجعتها. وفي كل الأحوال في تقديري لو تم التحكم في موارد الدولة المالية والبشرية المتاحة بشكل صارم وتم وضع سياسة محكمة لمكافحة الفساد لأمكن تحسين الاقتصاد التونسي.
ينادي البعض بالمطالبة بتعديل الدستور في اتجاه توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، كيف تقرؤون خفايا هذه المبادرة ؟
- في الواقع رئيس الدولة ليس في حاجة إلى توسيع صلاحياته ففي يده تقريبا كل الصلاحيات ورئيس الحكومة ليس إلا مجرد وزير أول ينفذ سياساته. وقد صدر أكثر من تصريح يفيد بأن رئيس الدولة يتدخل في القضاء والعدل والداخلية والمالية والاقتصاد وغيرها من الأمور وبالتالي يمكن القول إن رئيس الدولة يملك مجموعة هائلة من الصلاحيات إلى حد التضخم وهذا كان نتيجة طبيعية لنتائج الانتخابات التي كانت ستفرز رئيسا للدولة ورئيسا للحكومة من نفس الحزب ولكن في محاولة لإبعاد تهمة التغول عن نفسه –وهي تهمة تم الاشتغال عليها كثيرا عندما كانت حركة «النهضة» في الحكم- فإن الرئيس الحالي أراد أن يلتف على الموضوع مفضلا أن يأتي بشخص من خارج الكتلة النيابية في مخالفة واضحة للدستور ولكنه في تبعية مطلقة له. فالهدف الرئيسي من حملته الانتخابية كان الوصول إلى قرطاج وليس العمل في القصبة.
غير أن المفارقة أن الدعوة إلى توسيع صلاحيات رئيس الدولة وهي دعوة لا يمكن فهمها إلا بنقل السلطة الترتيبية من رئيس الحكومة إلى رئيس الدولة –تأتي في وقت أبدى فيه رئيس الجمهورية الحالي إلى حد الآن عجزا عن ممارسة العديد من صلاحياته. نعرف مثلا أن الدستور يسمح له بمخاطبة البرلمان (الفصل 79) ولكنه لم يقم بذلك ولو مرة واحدة بعد أكثر من سنة ونصف من الحكم ! اعتقد أن المراد من هذه المبادرة –وهي مبادرة تأتي في سياق حزمة من المبادرات والإجراءات الارتدادية- ليست إلا محاولة لطمس كل ما جاءت به الثورة وسجّل في حساب عهد «الترويكا» ليس أكثر . إن مبادرة تعديل الدستور- وهي مبادرة لا اعتقد أنها ستنجح في الوقت الحالي - لا يمكن فهمها إلا على أنها محاولة أخرى للتطبيع مع الحقبتين البورقيبية النوفمبرية والقطع مع الأفق الثوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.