أكد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي نهاية خمس سنوات من توافقه مع حركة النهضة، ورغم أن الحركة هونت من الأمر داعية إلى استمرار العلاقة فإن القطيعة بين الطرفين تبدو بينة ولكن ما هي انعكاسات هذه النهاية؟. تونس (الشروق) «انقطعت العلاقة بيني وبين حركة النهضة بسعي منهم بعدما فضلوا تكوين علاقة أخرى مع يوسف الشاهد». هذا ما ذكره رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في الحوار التلفزي الذي بثته قناة الحوار التونسي ليلة الاثنين قبل أن يضيف أن «التوافق حقق لتونس استقرارا نسبيا والآن دخلنا في مغامرة جديدة» وأن «اليوم اختارت النهضة طريقا آخر وإن شاء الله يكون جيدا لتونس» مستدركا في النهاية «ولكن لا أظن». علينا في البداية أن نشير إلى أن التوافق المقصود كان يقوم على أوجه ثلاثة أولها شخصي بين مؤسس النداء الباجي قايد السبسي ورئيس النهضة راشد الغنوشي وقد انطلق منذ لقاء باريس في أوت 2013. وثانيهما بين حركتي النداء والنهضة وقد بلغ أوجه عندما اتفقا قبل أشهر على تنسيق المواقف حزبيا وبرلمانيا. وثالثهما حكوميا تجلى في حكومة شراكة بين الحركتين بالتناغم مع مؤسسة رئيس الجمهورية. تضارب المصالح حاولت النهضة أن تهون من الأمر عندما قالت في بيان لها نشرته أمس إن الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها الاستقرار الحكومي لا يعني تنكرها للعلاقة المتينة التي تربطها برئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. وشدّدت في بيانها على التزامها بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية، وتقديرها لدوره الوطني منذ انطلاق الثورة في إرساء ثقافة التشاور والحوار بين الفرقاء السياسيين في مواجهة خيارات التفرد والإقصاء والمغالبة…». لكن الظاهر أن التوافق انتهى لأن الباجي يريد من النهضة توافقا تترجم فيه أقوالها إلى أفعال لا يتضرر منها النداء، ولأن النهضة باتت ترغب في توافق يراعي مصالحها. والمشكلة الحالية أن المصالح بين الطرفين تضاربت: نهاية محتومة؟ مرت العلاقة بين الطرفين بفترات مد وجزر يهمنا فيها ما انتهت إليه منذ أن تمسكت النهضة بحكومة الشاهد عكس ما تريده رئاسة الجمهورية والشق الندائي الموالي لحافظ قايد السبسي، ومن المستبعد أن تنقلب النهضة حاليا على موقفها الثابت من الحكومة إرضاء لحزب النداء ومؤسسه كما إنه من المستبعد جدا أن يراجع قائد السبسي الابن وحتى الأب موقفهما من الشاهد وحكومته. الخطير في علاقة التصادم أن النهضة لم تكتف ب»لي عصا» خصوم الشاهد بل ساعدته ولو دون قصد على تفتيت ما تبقى من حزب النداء وكتلته البرلمانية ما يشكل عدوانا سياسيا. النتيجة المحتومة إذن هي نهاية التوافق مهما اجتهدت حركة النهضة في محاولة إنقاذه حفاظا على مصالحها وبهذا نطوي صفحة يبدو فيها نفع التوافق وطنيا أكبر من ضره فقد لعب دورا مهما في إنقاذ البلاد من أتون العنف والتجاذب السياسي وساهم خلال فترة انتقالية حساسة لكنه لم يعد ضروريا لاستقرار البلاد. الخيار للنهضة استفادت حركة النهضة أكثر من النداء من توافقها ولهذا قد يستفيد أكثر منها من قطع العلاقة بينهما قبل حوالي سنة من الامتحانات الانتخابية. لكن الوقت يبدو متأخرا لإعادة تشكيل صفوفه بما أن مشروع «الائتلاف الوطني» بدأ يستهوي أغلب الندائيين ويستقطبهم. في المقابل لن تخسر الكثير من إدامة التوافق مع حزب بصدد التفتت، وإذا ما نجا من الاضمحلال فقد يصبح القوة الثالثة أو الرابعة ويمكنه إذاك أن يكون شريكا جيدا للنهضة إذا ما رضي بتوافق جديد معها. لكن أمام الحركة خيار آخر يمكنها أن تراهن عليه متى يئست من مواصلة التوافق مع النداء، فتحت قبة البرلمان هناك قوة برلمانية جديدة بصدد التشكل تحت اسم «الائتلاف الوطني» وهي تلتقي معها في الدفاع عن الاستقرار وبقاء الحكومة ويمكنها أن تؤسس معها من الآن توافقا مستقبليا كما استبقت انتخابات 2014 بالتوافق مع النداء ومؤسسه. هذا يعني أنها تملك كامل الخيارات وكل الوقت لتختار ما يناسبها ومن يقبل بشروطها في توافق جديد لكن عليها ألا تغفل عن الانعكاسات الخارجية: احتمت حركة النهضة خلال السنوات الخمس الماضية بنداء تونس واجتهدت في إبعاد التهم عنها فتنصلت من علاقتها ب "الإخوان المسلمون" المصنفة إقليميا حركة إرهابية في انتظار تعميم هذا الحكم عالميا، وادعت ميلها إلى الحداثة والمدنية عبر الفصل بين الدعوي والسياسي، كما حاولت الإقناع بتحولها سياسيا من الإسلام السياسي إلى ما تصفه ب»الإسلام الديمقراطي». في هذا كله وجدت في الباجي وحزبه خير حافظ، وعليها في صورة قطع التوافق معهما أن تجد بديلا قادرا على توفير القدر ذاته من الحماية وهو ما يبدو في نظرنا صعبا بالنظر إلى معطيين مهمين أولهما أنه من الصعب على النهضة أن تعثر على معوض للباجي تتوفر فيه القدرة ذاتها على إقناع الأطراف الخارجية وخاصة منها العربية وثانيهما أن هناك توجها في الإدارة الأمريكية نحو معاداة الإسلام السياسي بغض النظر عن مدى ديمقراطيته ولو تم تسليط الأضواء الخارجية على النهضة استجابة للضغوط العربية المعادية فإن تونس ستتعثر لا محالة في مسيرتها الديمقراطية. لهذا كله نجد تفسيرا في قول الباجي خلال مداخلته التلفزية الأخيرة «اليوم اختارت النهضة طريقا آخر وإن شاء الله يكون جيدا لتونس «ولكن لا أظن». قالوا عن موقف الباجي من التوافق «هذا من شأنه أن يعمق الأزمة السياسية ويجب أن نقوم بجهود لعودة العلاقة وأن يجلس الجميع للحوار لأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يحتمل مزيدا من التأزم... النهضة حريصة على الاستقرار والوصول إلى تفاهمات عبر الحوار». (القيادي بحركة النهضة لطفي زيتون من تصريح لرويترز نشرته أول أمس). «بعد حوار السبسي الليلة (24-09-2018) يبدو اننا سنرجع الى المربع الاول: التجاذبات الايديولوجية كأداة أو وسيلة لخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية… والمعركة بدأت مبكرا وإن بصمت وهدوء نسبي» (مما خطه المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي على حسابه في الفيس بوك مباشرة بعد حوار قايد السبسي التلفزي). «خيار التوافق يعود له الفضل في نسج الاستثناء التونسي ويبقى الارضيّة المثلى لاستقرار بلادنا وإدارة الاختلاف في كنف المسؤولية الوطنية والاحترام المتبادل». (بعض ما جاء في بيان حركة النهضة الذي أصدرته أمس). النهضة تجدّد «تمسّكها» بالتوافق جددت حركة النهضة في بلاغ لمكتبها الاعلامي تمسكها بالتوافق مع رئيس الجمهورية مشيدة بحرصه على طمأنة التونسيين على اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها. وجاء في البلاغ تأكيد من الحركة على «التزامها بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية، وتقديرها لدوره الوطني منذ انطلاق الثورة في إرساء ثقافة التشاور والحوار بين الفرقاء السياسيين في مواجهة خيارات التفرد والإقصاء والمغالبة وهو ما تفاعلت معه الحركة بايجابية منذ لقاء باريس، وجسمته كل المحطات التي لم يجد فيها رئيس الدولة من جهتنا إلا الدعم والمساندة، وان خيار التوافق يعود له الفضل في نسج الاستثناء التونسي ويبقى الأرضية المثلى لاستقرار بلادنا وإدارة الاختلاف في كنف المسؤولية الوطنية والاحترام المتبادل». وتابع « إن الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها الاستقرار الحكومي لا يعني تنكر النهضة للعلاقة المتينة التي تربطنا بفخامة رئيس الجمهورية، بل هو من صميم الحياة الديمقراطية ومن متطلبات دقة المرحلة وجسامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام الوطني» حسب ما ورد في البيان. وبعيدا عن هذا البيان فقد كانت تصريحات اغلب قيادات الحركة تصب في نفس الاتجاه وهو تمسك الحركة اولا بالتوافق وثانيا بموقفها من الازمة السياسية في البلاد مع التأكيد على انها ليست المتسبب فيها لكن في نفس الوقت لم تنف الحركة ما جاء على لسان رئيس الجمهورية من انها هي من طلبت منه إنهاء التوافق بشكل مباشر وصريح. وبين كل الاصوات التي سمعناها في صفوف حركة النهضة من علي العريض الى عبد اللطيف المكي كان هناك صوت اعتبر ان كلام رئيس الجمهورية كان مسؤولا ورفض التهرب من المسؤولية والاكتفاء بالصمت كما ابتعد عن مزيد تعميق الازمة الاتجاه الذي قد تكون دفعت اليه جهات كثيرة «هو خطاب الأبواب المفتوحة، انتصر للمسؤولية رغم انه لم يستطع اخفاء البشرية». وتابع القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي كلامه بالقول « نحن امام حوار سياسي و لسنا امام نص ادبي ... وخطاب الأبواب المفتوحة يجب ان يقابل بالأيادي المفتوحة ...من الجميع «.