مع انطلاق الموسم الثقافي الجديد انطلقت معه عدّة تظاهرات ثقافية حديثة النشأة أثارت جدلا واسعا بين مستحسن لها ومنتقد لكثرتها وهو ما طرح أكثر من استفهام لماذا لا يتم إنجاح المهرجانات القديمة ثم التفكير في إنشاء الجديد ؟ أو أن هذه التظاهرات مجرد وسيلة لتوفير المال على حساب الثقافة ؟! تونس (الشروق) إن كانت في ظاهرها ظاهرة صحية فإن باطنها يطرح أكثر من استفهام فمنذ انطلاق الموسم الثقافي 2018 2019 بدأت التظاهرات الثقافية والمهرجانات تتكاثر من أيام قرطاج للفن المعاصر الى أيام قرطاج لفنون العرائس وأيام قرطاج الثقافية للإبداع المجهري ومن قبلها أيام قرطاح للشعر تنضاف الى التظاهرات القديمة على غرار أيام قرطاج للموسيقى والسينما والمسرح وإن كانت هذه المهرجانات الثلاث الأخيرة من أبرز وأهم التظاهرات الثقافية في تونس لما لديها من إشعاع داخلي وخارجي يساهم في تنشيط الحركية الثقافية والإقتصادية في البلاد فإن ولادة بعض التظاهرات الجديدة في فترة وجيزة أثار الإستغراب والسخرية في الآن ذاته إذ يرى البعض أن تأسيس مهرجانات جديدة لابد ان تسبقها نجاحات للتظاهرات القديمة وهوما يشجع على إنشاء الجديد لكن ما نلاحظه من خلال هذه المهرجان هو عكس ذلك فجلها تعاني من سوء التسيير والتنظيم اذ أن كل دورة تمر الا وتترك وراءها كما هائلا من النقائص على جميع المستويات من جهة أخرى تعاني بعض هذه المهرجانات القديمة من ضعف الدعم وكان من الأجدر ان يتم تحسين وضعياتها من خلال الترفيع في حجم الدعم المرصود لها والسعي الى إنجاحها بدل صرف مئات الملايين على مهرجانات أخرى قد تواجه نفس مصير التظاهرات التي سبقتها ... بعض المهتمين بالشأن الثقافي اعتبروا ان الأهم هو التركيز على إنجاح مهرجان واحد ثم التفكير في بعث الجديد بدل من انشاء عشرات التظاهرات ليكون مسارها الفشل. وبالرغم من ان بعض التظاهرات الثقافية الجديدة ساهمت بشكل كبير في تنشيط الحراك الثقافي في البلاد وخلق نوع من الحركية الثقافية الا ان تنظيمها في نفس التوقيت عطّل عملية مواكبتها حتى ان بعضها مرّ في صمت ... ويرى البعض من الفاعلين في الشأن الثقافي ان تكاثر مثل هذه التظاهرات الغاية منها مادية لا ثقافية وهوما يدعونا لاستحضار مهرجان «دجاز في قرطاج» لسنة 2016 عندما تزامن مع أيام قرطاج الموسيقية وافتتح واختتم في أجواء باهتة وإقبال ضعيف وبالرغم من انه قد تم تحذير الهيئة المديرة من تزامنه مع أيام قرطاج الموسيقية التي قد تستقطب جمهوره غير ان مدير الدورة لم يعر اهتماما لذلك ليؤكد بذلك ان الغاية من المهرجان كانت تجارية لا ثقافية ! ظ هناك مصالح تتحكم في هذه التظاهرات في هذا الصدد يتحدث المسرحي حمادي المزي ويقول «على الرغم من ان أهم التظاهرات الثقافية في تونس هي أيام قرطاج السينمائية وأيام قرطاج المسرحية الا انهما مازالا يعانيان من سوء التنظيم رغم الكم الهائل من العروض وللأسف يعود ذلك الى عدم تأسيس هيئات قارة لهاتين التظاهرتين الى جانب غياب قوانين تحدد المسؤوليات وفلسفة المهرجان ..» يضيف حمادي المزي «أيام قرطاج المسرحية تشكو الكثير من المشاكل وأهمها الدعم الضعيف ... هناك مهرجانات دولية أصبحت تزاحم مهرجاناتنا لأننا نشتغل بالطرق التقليدية والأخطر من ذلك هناك مصالح تتحكم في هذه التظاهرات ...» يؤكد المزي «أنا مع تأسيس المهرجانات لأن كل التعبيرات تستحق مهرجانا خاصا بها لكن ان يتم إنشاء تظاهرة جديدة في الوقت الذي تعاني فيه تظاهرات قديمة من اشكاليات عدة هذا ما اعارضه كان من الأجدر دعم مهرجان قائم الذات على غرار نيابوليس بدل من خلق بدائلة أخرى قد يكون مصيرها مثل سابقاتها ... » حمادي المزي يقول أيضا «في الحقيقة نحن مازلنا غير متمكنين من تنظيم المهرجانات ولو استطعنا الإجابة عن سؤال «كيف يمكن لنا تنظيم تظاهرة ثقافية؟» لوجدنا كل الحلول ... لكن للأسف نقيم التظاهرات بنفس الغضب ونفس المشاكل ونفس الإنتقادات في حين ان مهرجاناتنا عمرها اكثر من خمسين سنة. وعندما نتمكن من إقامة مهرجان للسينما يضاهي كان ومهرجان للمسرح يضاهي أفينيون عندها يمكن التفكير في بعث مهرجانات جديدة...» الأيام وإن كثرت ظاهرة صحية لابد منها وللأستاذ نوفل بن عيسى رأي مختلف حول هذا الموضوع ويقول «ان تنظيم هذه الأيام الثقافية والفنية على اختلافها وان كثرت ظاهرة صحية وامر لابد منه والسبب ان الفنانين في تونس اليوم تغيروا عما كان عليه الأمر في السنوات الماضية وهذا التغيير على المستوى الكمي والكيفي والتوجه اذ ظهرت في الموسيقى مثلا موسيقات لم تكن تحظى بالإشعاع الذي تتمتع به اليوم فالموسيقى الطرائقية مثلا والشعبية لم يكن لها حظوة في المهرجانات وكان كلما تعلق الأمر بتنظيم عروض موسيقية فذلك يعني ضمنيا موسيقى وترية أو تراثية على غرار ما كانت تقدمه فرقة الاذاعة والراشدية ولكن اليوم على قدر ما يكون الربح مضمون اذا ما تعلق الأمر بالموسيقى الشعبية فإن الخسارة متأكدة اذا ما تعلق الأمر بالموسيقى التي تقدمها الرشيدية اوانتاج اغان « يضيف بن عيسى وعلى هذا المنوال يمكن ان نعمم ما يقدم في المهرجانات وخير دليل على ذلك ان أغلب العروض المسرحية التي غزتها المهرجانات في السنوات الأخيرة هي من ضرب الوان مان شو اما المسرح بالمفهوم التقليدي فقد أفل نجمه وضاع جمهوره لذا فإن الأيام التي تنظمها وزارة الثقافة خلال الموسم الثقافي ضرورية لتمكين المبدعين في مختلف الفنون والأنماط الثقافية من التعبير والظهور وتقديم إنتاجهم للجمهور وهي فرصة للمحافظة على مختلف أنماط الإبداع الى حين إعادة احيائها جماهيريا وهذا من واجبات وزارة الثقافة لهذا اعتبر الأمر عادي وضروري خاصة في وقت يشهد فيه المجتمع التونسي فقر ثقافي وحضاري مفزع وخطير » .