طالت الازمة السياسية التي تعصف بتونس منذ فترة , جميع مؤسسات السلطة , انطلاقا من الحكومة وصولا الى رئاسة الجمهورية , ثم الى البرلمان , الذي ارتفعت بعض الأصوات منادية بحله. تونس الشروق: حل البرلمان , أصبح مطلب عدد من نواب حركة نداء تونس , وأصوات أخرى من خارج النداء , على خلفية الأزمة الأخيرة التي تعيشها تونس والتي امتدت من طلب عرض الحكومة على البرلمان للتصويت على منحها الثقة مرة ثانية ,الى المطالبة بسحب الثقة من رئيس الجمهورية. الرئيس له صلاحية الحل مطلب حل البرلمان , وجّهه نواب حركة نداء تونس , مباشرة الى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي , باعتباره الوحيد المخوّل له دستوريا صلاحية الحل , ولئن تبدو إجراءات الحل معقّدة ومنحصرة في بعض الاخلالات التي يجب توفّرها لتكون سندا لعملية الحل , مثل عدم القدرة على منح الحكومة الثقة أكثر من مرة , إلاّ أن هذه الورقة تبقى بيد رئيس الجمهورية ويمكنه تفعيلها , دون مخالفة الموانع المنصوص عليها في الدستور. الرابحون خارج السياق القانوني لعملية حل البرلمان , يمكن الحديث عن استتباعات سياسية كبرى , لهذا الاجراء , وهي معطيات يمكن أن تُغيّر الكثير في المشهد السياسي , فهذه العملية تُسفر «رابحين « و»خاسرين» . أمّا الرابح الأكبر من عملية حل البرلمان , فهي حركة النهضة , الحزب الوحيد الذي حافظ على تماسكة في الفترة الأخيرة وتمكّن من البقاء دون تصدّعات تُذكر بالرغم من تراجع شعبيته , ويمكن أن يكون هذا الحزب هو الرابح الأكبر في عملية الحل , خاصة وان حظوظه وافرة في تصدر المشهد في الانتخابات القادرة , باعتبار ضعف منافسيه وانقسامهم الى شتات أحزاب غير قادرة على التجميع . ويمكن ان ينضاف « المستقلون « الى خانة الرابحين من عملية حل البرلمان , خاصة وانهم تمكنوا من الفوز في سباق الانتخابات البلدية السابقة و تقدّموا على الأحزاب , فالمستقلون بإمكانهم استغلال ازمة الثقة بين الناخب التونسي والأحزاب , والعمل على استقطاب عدد من الأصوات يمكّنهم كسب عدد كبير من المقاعد , بالرغم من أن المستقلّين , لا يمكن اعتبارهم طرفا موحّدا او أجزاء قابلة للتجميع في اطار واحد . بعض الأحزاب التي بدأت تتحسس طريقها في المشهد السياسي التونسي , مثل التيار الديمقراطي , يمكن ان تكون في قائمة الرابحين من هذا الاجراء , اذا ما استطاعت توسيع تمثيليتها في البرلمان. رئيس الحكومة يوسف الشاهد , يمكن أن يكون أيضا من بين الأطراف الرابحة , من هذا الاجراء , فبعد ان كان مجرّد قيادي في حزب النداء , تمكّن من توسيع شعبيته بعد ان تولى قيادة الحكومة , وتمكّن من جمع عدد من النواب حوله , شكلوا كتلة برلمانية تُسانده , وحل البرلمان يمكن ان يساهم في توسيع نفوذه اذا شكّل حزبا , يترشح للانتخابات التشريعية و يتحصل على عدد أكبر من المقاعد, او إذا ترشح للانتخابات الرئاسية وفاز بها . لكن يمكن ان يكون يوسف الشاهد , من اكبر المتضررين من إجراء حل البرلمان , فاذا ما فشل في تشكيل اطار حزبي يجمع الناخبين حوله واذا لم يتمكّن من اقناع الناخبين في الانتخابات الرئاسية , فسيدفع حل البرلمان الى فقدانه منصب رئيس للحكومة , دون ان يُحقّق ما يُذكر على الأقل على المدى القصير. الخاسرون أما «الخاسر» الأكبر في عملية حل البرلمان , فهي القوى السياسية التي يحلو للبعض توصيفها «بالقوى الوسطية التقديمة « , فهذه الأحزاب لم تستطع أن تحافظ على إطار حزبي يجمعها وتشتّتت بشكل أساءلها و ضرب صورتها في العمق . حزب حركة نداء تونس , او ما تبقى منه , سيكون من بين أكبر الخاسرين في عملية حل البرلمان , فهذا الحزب الذي شهد نزيف استقالات ارهقه على امتداد الأربع سنوات الماضية , لم يستطع ان يُقدّم صورة إيجابية للناخب التونسي تجعله يُقدم على انتخابه في المحطة الانتخابية القادمة . وحتى الأصوات التي تحصّل عليها الحزب في المحطات الانتخابية السابقة , ستنقسم بشكل يتوازى مع الانقسامات التي حدثت في الحزب . أحزاب أخرى , مثل مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر وافاق تونس ... كلّها أحزاب يمكن ان تؤثث قائمة الأحزاب الخاسرة من هذا الاجراء , فبعضها فقد البريق الذي كان يتمتع به في الانتخابات التشريعية الماضية , والبعض الاخر لم يستطع ان يُثبت أنه من ثوابت المشهد السياسي في تونس . انتخابات مبكّرة حل البرلمان سيفضي وجوبا الى انتخابات مبكّرة , تسبق أجل أكتوبر 2019 , انتخابات قد تعيد خلط الأوراق في المشهد السياسي , وتفرز لاعبين جُددا , ويمكن أن تقوم بمحو مكونات حزبية تُعتبر أساسية في الوقت الحالي . الرئيس يحل البرلمان ينص الفصل 77 من الدستور التونسي على أن «يتولّى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة، ويختص بضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.كما يتولّى:حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور، ولا يجوز حلّ المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية... « موانع الحل ينص الفصل 80 من الدستور على أنه « لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب.ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.»