عندما يجاهر نائب رئيس مجلس النواب عبد الفتاح مورو بضرورة تنقيح الدستور، فإنه يعترف بأن للدستور الذي شارك في إنجازه دورا في ما وصلنا إليه من تأزم سياسي ولكن ما هو ذنب دستور 2014 وهل يكفي تنقيحه لحل الأزمة؟. تونس (الشروق) «بعض القوانين التي اختارها النواب في الفترة التأسيسية أصبحت غير قابلة للتنفيذ» هذا موقف القيادي في حركة النهضة وعضو المجلس الوطني التأسيسي الذي أنجز دستور 2014 عبد الفتاح مورو، ودليله في ذلك أن العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية أصبحت مقسومة إلى قسمين على حد قوله. المشكلة لدى مورو كما نقلته عنه «شمس آف آم» أمس أن «دستور 2014 مثالي أكثر من اللازم ويجب تنقيحه إذ بات يشترط شروطا قليلا ما تتوفر». المشكلة الحالية في تونس أن هناك حكومة مختلف عليها وأن رئيسها يرفض الاستقالة وأن هناك من أحزابها من يقف إلى جانبه دون البقية وأن رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يغامر بممارسة صلاحياته في الغرض وأن مجلس نواب الشعب ذا التشتت الكبير في المقاعد والمواقف والآراء لا يستطيع أن يجمع النصاب الكافي لجر رئيس الحكومة إلى امتحان تجديد الثقة. جزء من المشكلة لو كنا نعتمد نظاما رئاسيا أو حتى رئاسويا لما وجدت المشكلة السياسية الحالية ولأمكن استباقها أو حتى تجاوزها عبر الصلاحيات الدستورية التي تبيح لرئيس الجمهورية دون غيره إقالة رئيس وزرائه متى شاء. ولو كنا نعتمد نظاما برلمانيا صرفا (غير معدل) وقانون انتخاب يراعي خصوصية المشهد السياسي التونسي لكان لنا رئيس حكومة تابع ومحمي قولا وفعلا من الحزب الحاكم أو الائتلاف الحاكم ولكانت لنا اجراءات صارمة تضمن الاستقرار الحكومي والسياسي تبعا لمدى توفر الأغلبية النيابية. لكن المشكلة في تونس ليست في الدستور ولا في مثاليته والدليل أن الطبقة السياسية الحاكمة تقدر في أي وقت على تجاوز الخلاف الدائر حاليا حول رئاسة الحكومة. المشكلة أن كل طرف يغلب مصلحته الذاتية على المصلحة الوطنية ما يعني أن الدستور ومثاليته جزء من المشكلة وليسا المشكلة كلها. حل آجل لا يمكننا تنقيح العقلية السياسية ولا الأنانية ولا العناد السياسي ولكن يمكن تنقيح الدستور بما يراعي هذه الخصوصيات في السياسة التونسية فنستبق المشاكل بالحلول الدستورية. اللافت للانتباه في هذا أننا إزاء مشكلة تحتاج إلى حل عاجل لأن كل تأخير يؤزم المشهد السياسي ويلقي بظلاله على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بينما يبدو اقتراح مورو في تنقيح الدستور حلا آجلا لا يحل المشكل الآني. فالتنقيح يحتاج إلى أشهر من الدراسة التي تستوجب بالضرورة إشراك بعض المختصين مثل أساتذة القانون الدستوري، وأشهر من التوافق السياسي بين الكتل النيابية قبل الوصول إلى مرحلة التصويت. عندها تكون المشكلة الحالية قد لقيت الحل سياسيا لا دستوريا أو ازدادت تعقيدا إلى حد التعفن، فهل نغض الطرف عن التنقيح مادام غير قادر على حل المشكلة السياسية الحالية؟. تحسبا للأزمات القادمة قبل أن يدلي مورو بدلوه في تنقيح الدستور كانت للعديد من السياسيين ورجال القانون الدستوري الفكرة ذاتها والدعوة نفسها. فقد مال البعض إلى فكرة تدعيم صلاحيات رئيس الجمهورية حتى يمكنه التدخل في الأزمات السياسية الداخلية وذهب الشق الثاني إلى ضرورة تغيير النظام البرلماني الحالي بنظام رئاسي أو رئاسوي تتجمع فيه صلاحيات السلطة التنفيذية لدى رئيس دولة منتخب مباشرة من الشعب ما يعني الحفاظ على الاستقرار السياسي ومنع تشتت الصلاحيات والحيلولة دون التنازع بين رئيسي الجمهورية والحكومة وربح الوقت في تنفيذ القرارات. وركز شق ثالث على ضرورة تغيير نظام النسبية في القانون الانتخابي بطريقة تسمح للحزب الواحد أو الائتلاف الواحد أن يوفر الأغلبية البرلمانية. لو تمت دراسة هذه المقترحات في إبانها وتطبيق أفضلها لأمكن حل الأزمة السياسية الحالية وبالقياس فإن التفكير الجدي في التنقيح لن يحل المشكلة الحالية ولكنه يوفر الحلول للمشاكل القادمة اذ لا ننسى أن انتخابات 2019 قد تفرز رئيسي حكومة وجمهورية من حزبين متنافرين. قالوا عن تنقيح الدستور استاذ القانون الدستوري أمين محفوظ: لابد من التفكير الجدي في تعديل الدستور التونسي في اتجاه ضمان توازن أكبر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والتفريق بينهما فضلا عن تبسيط المشهد العام بما يجعل أغلبية تحكم ومعارضة تعارض وناخب يتوفق في الفصل بينهما... النظام السياسي الحالي في تونس هجين ومعقد... يمكن ان يتلخص في مقولة مفادها «أنا لا أحكم أنت لا تحكم ولا نترك من يحكم». (المصدر (وات) مارس 2017). أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي: «حل أزمة الحكم المطروحة اليوم (2017) في تونس يكمن في تنقيح نظام الاقتراع واعتماد نظام اقتراع بالاغلبية على دورتين يتم فيها فسح المجال في الدورة الاولى لمختلف الاحزاب للمشاركة في حين تقتصر الدورة الثانية على الأحزاب المتحصلة على اكبر عدد من الأصوات مثلما هو موجود اليوم في فرنسا... أما تغيير طبيعة النظام السياسي فلا يمكن اليوم (سنة 2017) اعتماده لأنه يتطلب تنقيح الدستور قبل عدم استكمال إرساء مؤسسات الدولة ومن أهمها المحكمة الدستورية. (المصدر (وات) مارس 2017). الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق «لا امكانية في تونس لربح الحرب على الارهاب الا بعد القيام بمجموعة من الإصلاحات الجوهرية أولها مراجعة النظام السياسي الحالي، واعتماد نظام رئاسي ديمقراطي قوي لا يتمتع فيه الرئيس بالسلطة المطلقة، ويبقى محكوما بقوانين من شأنها مساعدته على اتخاذ القرارات الشجاعة والصائبة». (من اجتماع عام لحركته نظم في سوسة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمراة في مارس 2017).