لن أتحدث عن البنية المادية للمدارس الإعداديّة والمعاهد فذاك أمر قد يتجاوزنا جميعا، كما أنه كما نُعود الطفل مع ما في ذلك من صعوبة على التأقلم مع إمكانيات أسرته فإنّه يجب أن نعوده أيضا بقبول ظروف بلاده. فالجانب المادي يمكن تجاوزه وتأجيل تحسينه. ولكن هناك أمور أخرى غير قابلة لغض الطرف عنها وتجاهلها لأنها تهدم كل ما نقوم به من جهد وبناء وتربية. أولا من المهم أن يدرك جميع الأطراف الفاعلة في التعليم الثانوي أستاذا في المقام الأول وإدارة ووزارة أن أخطر مرحلة عمرية في حياة الفرد تكون في الفترة التي يقضيها التلميذ في التعليم الثانوي: ففيها تبدأ مرحلة المراهقة وفيها تبلغ أوّجها وفيها يبني الطفل هويته الذاتية وشخصيته. أي أنها مرحلة عمرية صعبة نفسيا ويعرف فيها الطفل تحولات فيزيولوجية ونفسية تنزع نحو تنمية الشعور بالذات وتشكل ملامح الشخصية مع ما يرافق ذلك من ارتباك وتوتر وقلق. فالباحثون الذين اشتغلوا على مرحلتي الطفولة والشباب توقفوا بشكل خاص عند حدث «البلوغ» الذي يكسب الإنسان الخاصيات الجنسية والفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية « والاضطرابات التي ترافق مرحلة المراهقة. وسأخص تلاميذ السنوات السابعة والثامنة والتاسعة من التعليم الأساسي تحديدا باهتمام خاص: إنّ تلميذ السنة السابعة أساسي يعرف تغييرات عدّة في وقت واحد أوّلها أنه انتقل من فضاء المدرسة الابتدائية إلى فضاء المدرسة الإعدادية المختلف توقيتا وبيداغوجيا وفضاء باعتبار أن المدرسة الإعدادية تتطلب منه تعويلا على ذاته واستقلالية والتعامل مع مجموعة كبيرة من الأساتذة إضافة إلى أنه مطلوب منه تغيير طريقته في اكتساب الدرس. وكل هذه التغييرات البيداغوجية والتربوية تتزامن من بداية الدخول في المراهقة. بمعنى آخر يمر الطفل بمرحلة عبور مع ما يعنيه ذلك من صعوبات مجتمعة مع بعضها البعض الشيء الذي يخلق نوعا من التوتر لدى الطفل. السؤال الأن: إلى أيّ مدى أساتذة التعليم الثانوي في مدارسنا الإعدادية وفي المعاهد على بينة ودراية ومعرفة بخصوصيات الفئة العمرية التي يدرسونها ويتواصلون معها بيداغوجيا وتربويا؟ نطرح هذا السؤال لأن العملية التربوية هي عملية اتصالية تنشد التواصلية الإيجابية. وتعتبر هذه العملية فاشلة إذا ما نتج عنها تواصل ضعيف أو سلبي بين الأستاذ والتلميذ. بيت القصيد: يجب أن تتم رسكلة الأساتذة في اختصاص علم نفس الطفولة. كل أستاذ لا يستطيع مباشرة عمله كأستاذ إلا إذا خضع لهذه الرسكلة لمدة لا تقل عن شهر وضمن برنامج مكثف ومغلق من التكوين في مجال علم نفس الطفولة. فلا يكفي أن يكون الأستاذ جيدا ومشهودا له في اختصاصه بل إلى جانب ذلك من المهم أن يعرف كيف يتواصل مع التلاميذ وان يكون عارفا بخصوصيات هذه المرحلة النفسية كي ينجح في التواصل معهم وكي يسهم في تعزيز انتمائهم للمدرسة والدراسة وحب المعرفة وكي نتجنب التصادمات التي تحدث بين التلميذ والأستاذ والتي بلفت النظر عن الأسباب المباشرة لها إنما هي دليل وجود أزمة تواصل حقيقية وعميقة. وفي هذا السياق نضع ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة بالنسبة إلى تلاميذ التعليم الثانوي وأيضا ظاهرة العنف في المدرسة التي تكاد تخص المدارس الإعدادية والثانويّة. سأضرب مثالا حصل من أيام قليلة على كلامي: طفل في السابعة أساسي وفي الأسبوع الأول من الدراسة يخاطبه الأستاذ بلغة فوقية مع تهديده بالضرب لأن ذلك الطفل طلب الماء من صديقه الجالس وراءه. نعتقد أن رد فعل الأستاذ غير مدروس ويفتقد إلى الحكمة والقدرة على الاستيعاب إذ لا معنى لتهديد التلميذ بضربه وهو في سن بدأ ينحت هويته الذاتية أمام نفسه والآخرين. إنّ طفل اليوم ليس ذلك الطفل الذي كان في جيلنا: هو طفل مختلف في علاقته بذاته وفي حسه النقدي وفي رفضه لأشكال الهيمنة والسلطة. كما نعتقد أن للأستاذ دورا كبيرا في جعل التلميذ يعيش مرحلة مراهقة بأقل ما يمكن من مظاهر التأزم والتوتر مما قد يحولها إلى تطور هادئ وعبور تلقائي إلى سن الشباب والنضج. لذلك فإن توفير تكوين في علم نفس الطفولة للأستاذ يمكن أن يعالج الكثير من حالات العنف وتأزم التواصل بين التلاميذ والأساتذة. إن مهنة الأستاذ مهنة رئيسة ونجاح التواصل بين الأستاذ والتلميذ هو أهم نقطة حيث سنكسب تلميذا محبا للعلم وطفلا متصالحا مع محيطه وأقل توترا. وعندما نفكر في كيفية ضمان سبل التواصل العلمية الناجعة مع تلاميذنا فنحن نكون بصدد التفكير في تونس وفي المستقبل. مع كل الاحترام والتقدير للأساتذة .