تونس:الصباح - للتصدي لظاهرة انحراف المراهقين الذين يؤمون الوسط المدرسي ولحمايتهم من الضغوطات النفسية ومخاطر الإدمان على التدخين والمخدرات ومخالطة رفاق السوء أصبح من الضروري جدا تكثيف تدخلات برنامج العمل الاجتماعي المدرسي.. كما يتعين على المؤسسات التربوية أن تولي اهتماما أكبر لمسألة الوقاية.. لأن المراهق في حاجة إلى الوقاية من الأخطار التي تتربص به أمام بوابات المدارس.. ويكفي أن يمر الفرد منا أمام باب مدرسة حتى يدرك حجم تلك الأخطار.. ولكي يرى بأم عينيه الحال الذي أضحى عليه بعض التلاميذ إن لم نقل جلهم.. وفي دراسة ثرية حول احتياجات التلميذ المراهق كتبها الأخصائي البيداغوجي طارق الحاج محمد في نشرية "أنوار" الصادرة عن المركز الجهوي للتربية والتكوين المستمر بزغوان نطالع المكثير من النصائح.. ويرى الباحث أن قطاع التعليم كغيره من القطاعات المنظّمة يعتمد في تسيير شؤونه على مؤسسات وهياكل تنظّمها قوانين ومبادئ. لكن رغم ذلك فإنّ لقطاع التعليم خصوصيّة، فهو إلى جانب دوره البيداغوجي والمعرفي ودوره في التنشئة الاجتماعية نجده يمسّّّّ شريحة عمريّة على غاية من الأهميّة ويتوقّف عليه مستقبل أجيال بكاملها.. من بين الشرائح العمرية وربّما أكثرها عددا والتي ترتاد المؤسسات التربوية في بلادنا نجد فئة المراهقين. وتحدث الباحث عن علاقة المراهق بالوسط المدرسي وهو يرى أن للقطاع التربوي دورا حيويا في عملية التنشئة الاجتماعية وأن المدرسة تقوم بمختلف مستوياتها بوظيفة تربوية، علمية وتأهيلية كما تسعى إلى تنمية الكفايات والمهارات لدى خريجيها.. وباعتبارها قطاع منظم فانه ينطبق عليها ما ينطبق على بقية التنظيمات.. منها أنها بناء أساسي مهمته القيام بجملة من الوظائف الاجتماعية. ويقول: "التنظيم لا يعني أننا نتحدث عن إطار مؤسساتي جامد أو هيكل شكلي بقدر ما نتحدث عن بناء إنساني ديناميكي لإشباع وظائف وحاجيات معينة ومتجددة باستمرار".. وتطرح هذه الطبيعة التنظيمية والعقلانية للمدرسة تساؤلا حول العلاقة بينها وبين الشرائح العمرية التي ترتادها ليس من وجهة النظر المعرفية والبيداغوجية فقط بل من وجهة نظر الاتصال والتواصل. فإذا كانت المراهقة عبارة عن حالة يصطدم فيها الفرد بأكثر الأشياء حميمية معه وهي ذاته وجسده وعائلته فكيف ستكون ردة فعله إزاء مؤسسة منظمة تعتبر خارجة عن مجال خصوصياته؟ عن هذا السؤال أجاب إن التجربة المدرسية بالنسبة للمراهق محددة بثلاثة عوامل أولها حلم التلميذ: ويرتبط هذا الحلم بالأصل الاجتماعي والعائلي للتلميذ وبطبيعة المواد والدروس المقدمة إليه وتصرفات بعض المربين التي يمكن أن يستبطنها المراهق لينسج على منوالها.. وثانيها تكوين الذات: باعتبار المدرسة مجالا للمعارف المتنوعة بامتياز وفضاء تنسج داخله العديد من العلاقات الاجتماعية.. وثالثها المصلحة: وتحسب عن طريق ضوارب المواد وأهميتها في النجاح أو الفشل وعلاقة المراهق بأساتذته وبأعضاء الأسرة التربوية عموما". إذن فالتجربة المدرسية على حد تعبير الباحث هي "تجربة اجتماعية شاملة وطبيعة العلاقات داخلها ليست على وتيرة واحدة وليست منتظمة لكنها بالمقابل ليست عفوية ومرتجلة.. إن هذه الميزة في المدرسة يمكن أن تشكل في بعض الأحيان عائقا هيكليا أمام المراهق". أزمة المراهقة يعتبر الباحث أنّ المراهقة لا تعني مفهوما مجرّدا بل هي عبارة عن توصيف لحالة ولمرحلة يمر بها الفرد في إطار شبكة من العلاقات الاجتماعية المعقدة.. وهي مرحلة من مراحل حياة الفرد يكفّ خلالها المجتمع عن النّظر إليه باعتباره طفلا دون أن يعطيه في المقابل أدوار ووظائف الكهل وهذا ما يجعل هذه المرحلة حقلا ملائما لبروز التوتّرات ذلك أن المراهق سوف يسعى في هذه المرحلة لتأكيد ذاته والبحث عن استقلاليته وتركيز الأسس الأولى في بناء شخصيته لكن ذلك يصطدم عادة بعدّة عراقيل نفسية كانت أو اجتماعية . و مهما كانت أزمة المراهقة حادّة أم طفيفة، فإنها ترتبط حسب قوله بالتغييرات البيولوجية والفيزيولوجية ممّا يؤدي إلى فقدان الصّورة المألوفة للذات، فشكل الجسم الجديد عادة ما يمثّل عائقا ومصدر قلق بالنسبة للمراهق فيشعر بالغربة وعدم التماهي مع جسده مما يؤدي إلى عدم التوازن وعدم التكيف -ولو لحين- مع المحيط العائلي والاجتماعي والمدرسي. يظهر ذلك في شكل أزمات عابرة طفيفة أو عنيفة حسب تركيبة الشخص وميولاته، ويتجسد هذا عادة في شكل شعور بالقلق والحيرة وعدم الطمأنينة والخوف من المستقبل أو في سلوك عدواني مبالغ فيه. ويضيف: "إن أزمة المراهقة والاحتياجات الخصوصية للمراهق هي نتاج عدة عوامل منها الجسماني والعائلي والاجتماعي. فالتغييرات الجسدية تحدث عدة هزات نفسية نتيجة فقدان الصورة المعتادة للذات فتظهر الرغبة في معرفة الحدود الجديدة لهذا الجسم والاعتناء به. فالمراهق لا يراقب جسده لذاته وإنما كرد فعل تجاه مواقف وأحكام الآخرين فالجسد رمز للذات والشخصية وهو يمثل الحد بين الأنا والعالم.. كذلك فإن تقييم الوسط العائلي للمراهق يؤثر على نموّه النفسي فإذا كان التقييم إيجابيا فإن ذلك سيساعد المراهق على تقبل هذا الجسد وهذه الصورة الجديدة لذاته، أما إذا كان التقييم سلبيا فإن ذلك سينمي الشعور بالنقص وعدم توازن الشخصية. فدرجة تقبل أو رفض المراهق لصورة جسده مرتبط بمدى تقبل العائلة أو رفضها لهذا الجسد". ولا شك أن هذه الدراسة التي طالعتم ملخصا لها في هذه الورقة مفيدة للمربين الذين يحتكوّن يوميا بفئة المراهقين من التلاميذ.. كما أن اهتمام الأخصائيين البيداغوجيين بمسألة المراهقة يعد بادرة طيبة حرية بالتشجيع.. كأن تعمل وزارة التربية والتكوين مثلا على تخصيص قسم من موقعها على شبكة الانترنيت للدراسات التي يجريها المختصون في علم الاجتماع التربوي والمتفقدون البيداغوجيون وغيرهم من المهتمين بالشأن التربوي حتى تكون في متناول المربين والأولياء والتلاميذ أنفسهم.