منذ روايتها الأولى نخب الحياة التي صدرت قبل حوالي ثلاثين عاما في بيروت عن دار الأداب نخب الحياة برزت آمال مختار كصوت مختلف وجرىء في المدوٌنة النسائية . تونس «الشروق»: قليلا ما تشارك الروائية والقاصة آمال مختار في الملتقيات الأدبية مكتفية بعزلتها الجميلة كما تسميها بعيدا عن المستنقع الثقافي والأدبي خاصة المصاب بالحقد والحسد .لكنها في عزلتها التي أختارتها لم تنقطع عن الكتابة ولا النشر وأخر تجاربها المشاركة في ورشة كتابة في أسبانيا بعد عودتها من أسبانيا إلتقتها الشروق في هذا الحوار كيف عشت تجربة ورشة الكتابة في أسبانيا وماذا أضافت لك؟ سفرتي إلى اسبانيا وتحديدا إلى اليكانتي المدينة الجميلة الراسية على شاطئ المتوسط قبالة وهرانوتونس كانت في إطار دعوة من البيت المتوسطي (كازا دي مدينرانيو) الذي يديره الديبلوماسي السيد خافير هارغريتا. وهو مؤسسة تابعة لوزارة الخارجية الاسبانية وتعمل على توطيد العلاقات بين مدن السواحل المتوسطية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وفِي هذا المجال الأخير اختارت الكازا ان تنفتح ثقافيا على مدن المتوسط من خلال أنشطة كثيرة منها فتح أبواب إقامة للمبدعات في شتى الفنون ومنها الكتابة الإبداعية وقد انطلق هذا المشروع باستضافتي صحبة الكاتبة الجزائرية هدى درويش لعيش هذه التجربة الرائعة حقا من حيث التفاعل الثقافي والحضاري بين الكتابتين المقيمتين معا من ناحية والتفاعل مع ثقافة المدينة وتاريخها الموشوم بالآثار العربية الاسلامية. تجربة اتاحت لي شخصيا فرصة للهدوء والتأمل والكتابة اضافة إلى الجانب السياحي الذي منحني كثيرا من الاستجمام والاستراحة وكم كنت في حاجة إلى ذلك انا القادمة من تونس العزيزة بلد العجائب . شرعت في اليكانتي في كتابة عمر روائي جديد ارجو ان أتمه سريعا كي لا ينام في ادراج كسلي مع سابقيه . حضورك القليل في السنوات الأخيرة في الملتقيات الأدبية هل هو موقف؟ بالتأكيد هو موقف. حقيقة لقد سئمت كواليس المشهد الثقافي التونسي الذي ازداد تشوها بعد ما سمي كذبا وبهتانا بالربيع العربي. لقد غرق المشهد الثقافي عموما والأدبي خصوصا في مستنقع من الرثاثة والسطحية وثقافة البوز التي امقتها فبقي مرتعا للاغلبية التي جرفها تيار الفاست ثقافة بينما اختار العزلة اغلب من تربي على الثقافة الجادة والجيدة . وقد زاد طين المشهد الثقافي بللا حتى بات مكانا صالحا للتزحلق والزلف الاعلام المرتزق الذي باع وطنيته وبلده بكمشة مال قذر . بين كل هذه الروائح النتنة لم اقدر على التنفس انا ابنة الجبال العالية والهواء النقي . لذلك اخترت عزلتي عن قناعة وانا سعيدة بها مثلي مثل البعض من الكتاب والفنانين والمثقفين الذين يكنون لأنفسهم ولابداعهم الاحترام. أصوات نسائية كثيرة ظهرت بعد 14 جانفي خاصة وكم كبير من الاعمال الشعرية والقصصية والروائية كيف تقرئين هذا الزخم؟ أنا مع الإضافة بالتأكيد، غير ان هذا الذي نشهده من بروز لعدد كبير من الكتاب والشعراء ليس بزخم بل هو تسونامي . واذ أشبهه بذلك لأني أومن ان كل شيء فاق حده انقلب إلى ضده، لكن ذلك لم يمنع من بروز بعض الأسماء اللافتة سواء في الشعر أو في النثر والتي تميزت بجديتها وهذا ما ننتظره على الأقل من جيل كتاب الفايسبوك الذي يمكن اعتباره يمثل مجموعة اجيال من حيث العدد الضخم نتيجة سرعة التواصل اذا ما قارنا الامر ببطء عملية صعود بعض الأسماء قديما اعتمادا على الوسائل الكلاسيكية حيث كان يتوجب على الشخص الذي يحمل بذرة ابداع ما ان يشقي ويتعب وينتظر حتى يجني من الاعتراف ما يجنيه مثيله الان مستعملا وسائط التواصل الاجتماعي . في السنوات الأخيرة أصبحت آمال مختار أكثر ميلا للعزلة هل تعتقدين أن العزلة ضرورية للكتابة ؟ اخترت العزلة كما قلت سابقا اخترتها عمدا ومع سابقية الإضمار لأني نفضت يدي من شفاء المشهد الثقافي والأدبي حيث انتشر مرض تورم الذات الخبيث وحيث بات اغلب الكتاب يَرَوْن في أنفسهم أعظم الكتاب وأهمهم فتراهم متلهفون على الظهور في وسائل الاعلام رغم عهرها وسقوطها إلى الحضيض وتراهم يأتون كل شيء من أجل اللاشيء. لقد أمنت منذ بدايتي ان الأدب في البلاد العربية لا يمنح صاحبه وهو حي يرزق لا المجد ولا المال . ولم تتغير قناعاتي تلك مع السنوات وحتى بعد ظهور الجوائز الأدبية العربية الكبري التي أراها جيدة كتحفيز للكتاب كي ينتجوا اما من ينالها فإما صاحب حظ أو صاحب الجميع من الوجوه التي تتداول على لجان تحكيم هذه الجوائز. شخصيا انا أكتب لان حياتي مرتبطة بهذا الفعل الراقي الذي أقوم به بمتعة ولا ولن استسهله البتة حتى لا أصاب بإسهال الكتابة طمعا في نيل جائزة كبرى. الحياة تسير إلى الامام بجمالها وعمقها الإنساني الرائع على كل شبر على الكرة الارضيّة وانا احاول مزيد التوغل في خبايا الحياة وأسرارها وإعادة بناء عوالم شبهة احيانا وخارقة لها في احيان اخرى مستلهمة دائما كل ما هو فانتازيا منها، تلك متعتي اما هدفي هو ترك شيء ما مني يقول هذه امرأة مرت في الحياة وفِي تاريخ البشرية تماما مثلما اكتفيت بابني وابنتي كتخليد جيني لسلالتي اكتفي بما سأترك من اعمال ابداعية كتخليد لرؤيتي للحياة والإنسان فيها . اما مسالة المال فهي لا تعنيني كثيرا لأنني لا أعيش من كتابتي الإبداعية بل أعيش من عملي الصحفي والحمد لله، فإذا ما جاد الحظ بجائزة ما فاهلا اما ان اكتب لاجلها وأسعى اليها وانتظرها فبالتأكيد لا. عملك الاول صدر في بيروت عن أعرق دار نشر عربية دار الآداب تلك البداية القوية ألم تسبب لك العداوات؟ قلت سابقا ان اخطر مرض اصاب المشهد الثقافي التونسي خصوصا والعربي عموما هو مرض تورم الذات الذي افرز بقية الأمراض والظواهر التعيسة التي نشهدها من حقد وكره وحسد ونميمة وتسابق نحو الغنائم الوهمية، لو انكب كل صاحب موهبة على الاشتغال على موهبته لمزيد صقلها وإثرائها بمزيد من المعرفة والاطلاع والتعمق في القراءات الفكرية والفلسفية والنفسية لنال النجاح تلقائيا لان النتيجة الحتمية لأي عمل صادق وجيد هو النجاح، والنجاح لن يأتي سوى بالاعتراف لصاحب الجهد مهما طال الزمن، زمن الصمت أو التجاهل أو غض النظر، لابد من يوم يأتي فيه احدهم ليكتشف ذلك النجاح ويكشفه لينال اعتبارك. الشيء الوحيد الذي اومن به في الكتابة هو ان تكتب وتجيد عملك وتنجز الفعل بصدق واخلاص فقط، ما سينجر عن ذلك انا لست مسؤولة عنه ولن يهمني كيف سيكون مصير رواية نشرتها، مطلقا لقد خرجت مني وانفصلت عني ولها مصيرها كما ان لي مصيري. الاكيد أني أتمنى لها التوفيق مثل ابنائي لكن ان حصل وكان لها مصيرًا اخر فذلك قدرها . المشهد الادبي اليوم كيف تلخصينه وألا تعتقدين أن الحسد والحروب التافهة دمٌرت الكثير من نبل الثقافة؟ الحقيقة التي خرجت بها بعد كل هذه السنوات من العمل في الصحافة والمجال الأدبي وبعد تجربة عميقة في المعاناة تتمثل في ان صنع السلام مع الذات هو احد أكبر اسرار الحياة وهو بداية درب ما نبحث عنه من سعادة. آمال مختار في سطور قاصة وروائية وإعلامية من أعمالها «نخب الحياة» «الكرسي الهزاز» «لا تعشقي هذا الرجل المايسترو»... أنتجت للإذاعة الثقافية خارج النص حازت على جوائز نذكر منها تحصلت سنة 1988 على الجائزة الأولى للقصة القصيرة لمسابقة الطاهر الحداد. نالت جائزة الابداع الأدبي لوزارة الثقافة لسنة 1994 عن رواية «نخب الحياة». سنة 2006 تحصلت على جائزة لجنة التحكيم لمسابقة الرواية التونسية الكومار الذهبي، عن رواية «المايسترو».