تونس (الشروق) خديجة يحياوي أضحى «عاديا» ان ترى كثيرا من مستعملي الطريق، يخرقون قانون الطرقات، بالليل والنهار، سائقون لا يتوقفون عند اشارة الضوء الاحمر، او عند علامة «قف» مما يكشف ان احترام قوانين المرور متدنيا، وهذه السلوكات ترتفع عند الظروف المفاجئة منها التقلبات الجوية وحوادث المرور. فمع أول نزول لقطرات من الغيث النافع، تتحول الطرقات إلى جحيم، حالة من الاختناق المروري، وسرعان ما يبدأ بعض السائقين في اطلاق انفلاتاتهم، فهذا صاحب سيارة نقل جماعي، يستغل الرصيف للولوج الى داخل المفترق، وذلك يتجاوز الضوء الاحمر، لتتعالى بعدها أصوات منبهات السيارات، وفي الجانب الآخر من الطريق، مشادات كلامية بعد خروج احدى السيارات من طريق ممنوعة كادت تصطدم بالسيارة القادمة نحوها، هذا هو المشهد بطرقات خلال الأزمات. السياقة عند الأزمات تحصد الأرواح مظاهر تسجلها الطرقات مع اي طارئ يشهده الطريق، خاصة عند نزول الامطار، التي تحولت الى «فوبيا» لدى بعض مستعملي الطريق، الذين يخرقون قوانين الطرقات، وهذه التجاوزات، أكدتها الارقام، التي اثبتت انه تم تسجيل اكثر من 300 حادث مرور خلال شهر سبتمبر من السنة الجارية، مما ادى الى وفاة اكثر من 80 شخصا وجرح حوالي 400 شخص. وقد اكد عفيف الفريقي رئيس الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات في تصريح ل«الشروق» ان قيادة السيارة اثناء التقلبات المناخية، تحتاج الى ترسيخ منظومة خاصة بإدارة جهود السلامة المرورية، في التقلبات الجوية من ثلوج وعواصف رملية وأمطار غزيرة. وأكّد الفريقي ان اللجان الوطنية والجهوية لمجابهة الكوارث الطبيعية لم تهتم بادارة حركة المرور وبعنصر السلامة العامة والمرورية، وكيفية مواجهة السائقين للعناصر المفاجئة، مؤكدا ان هياكل الدولة الموكول لها ملف السلامة المرورية تتحمل مسؤوليتها في وضع خطة استراتيجية بالتنسيق مع المجتمع المدني والقطاع الخاص ووضع تصور للسلامة المرورية أثناء التقلبات المناخية. ارتفاع منسوب الضجر عند الأزمات واوضح الفريقي انه عند نزول الغيث النافع، فإن منسوب الضجر والتوتر وعدم الشعور بالطمأنينة يرتفع لدى العديد من مستعملي الطريق، لانهم يقودون تحت ضغوطات خارجية منها التفكير في مصير ابنائهم وممتلكاتهم، مما يؤدى الى ارتفاع منسوب الضغط النفسي والحيرة، وهذا يتسبب في تراكمات تؤثر سلبيا على القيادة الآمنة. واعتبر الفريقي انه قبل مطالبة مستعملي الطريق بالقيادة السليمة والآمنة، عند الوضعيات الحرجة، فانه يجب تعليمه وتوعيته وتثقيفه في مجال السلامة المرورية، والقيادة السليمة اثناء الازمات، حتى يكون متشبعا بثقافة حل الازمة وليس تعكيرها وتوسيع دائرتها. واعتبر محدثنا ان هياكل الدولة لا تقوم بدورها في تشريك المجتمع المدني والتنسيق معه عند الازمات والتقلبات المناخية، حتى يساهم في تقديم تصوراته المبنية على دراسات ميدانية، تمكن من تشخيص الوضع المروري، ومساندة رجال ونساء المرور، داعيا الى الاستعداد لمواجهة التقلبات الجوية التي ستشهدها بلادنا في الفترة المقبلة. تجاوزات بالجملة من جانبه، افاد اسامة بن مبروك المتحدث باسم المرصد الوطني لسلامة المرور، في تصريح ل«الشروق»، انه عند تسجيل ظروف مفاجئة على الطرقات، منها الاكتظاظ والامطار وحوادث المرور، فان منسوب التوتر والقيادة المتهورة ترتفع، لدى الكثير من مستعملي الطريق. وقال محدثنا ان اسطول السيارات في تونس بلغ حوالي 2 مليون سيارة، وبعض الطرقات لم تعد تستوعب هذا الكم الهائل من السيارات والشاحنات، وهو ما ادخل بعض الاشكاليات على الطرقات، مما يجعل البعض يقود تحت تأثير الغضب والتشنج. وقال محدثنا انه من المخلفات التي يتم تسجيلها، عند الازمات، هي المجاوزة الممنوعة والسرعة المفرطة، وعدم احترام مسافة الامان والاشارات الضوئية والاولية، والمجاوزة الممنوعة والمجاوزة على اليمين، مؤكدا ان هذه التجاوزات تتسبب في تسجيل بعض حوادث المرور التي تكون خسائرها بين الضعيفة والمتوسطة. وقال محدثنا انه عند الامطار والضباب فان مستعمل الطريق لا ينتبه للمترجل وللدراجات النارية وتتراجع الامكانيات البشرية، وتكون مسافة الفرملة أطول، وعند عدم التقيّد بذلك فان نسبة الانزلاق ترتفع ويتم تسجيل حوادث مرور. المختص في علم الاجتماع سامي نصر ل«الشروق» «فوبيا» الفيضانات سيطرت على عقول مستعملي الطريق أكّد المختص في علم الاجتماع سامي نصر في تصريح ل«الشروق» ان هذه الظاهرة لا يتم تناولها بالشكل المطلوب، لان الجميع متهم بالتقصير، لكن تقف وراءها مجموعة من الدوافع الموضوعية وأخرى ذاتية. واكد سامي نصر ان وضعية الطرقات في تونس، عند حالة استقرار تسجل حالة من الاختناق والاكتظاظ، والسائق يستنزف الكثير من الجهد للوصول للعمل، اكثر من المجهود الذي يبذله في العمل، وهذا الاختناق المروري يتضاعف بشدة في الحالات الاستثنائية عند تعطل سيارة او تسجيل حادث مرور وكذلك عند نزول الغيث النافع. وقال محدثنا، انه عند حلول الازمات، تبرز ظاهرة الفردانية المفرطة، عند مستعملي الطريق، اذ يصبح السائق يفكر فقط في راحته وكيفية وصوله الى هدفه، دون التفكير في سلامة الآخرين، وفي بعض الاحيان عملية هروب البعض من الاختناق المروري تزيد من توسيع دائرة الازمة. وأكد سامي نصر ان التونسي في حالات الازمة يميل الى ما يسمى بالفوضى العارمة، التي تغيب خلالها العقلانية، التي تعالج بخلق ثقافة مرورية جديدة تراهن على الاطفال، من خلال تدريسهم مادة التربية المرورية، معتبرا ان المجهودات التي يقوم بها المجتمع المدني، رغم اهميتها الى ان تأثيرها ضئيل في حين ان تأثير الاطفال في الاولياء كبير. واعتبر محدثنا ان ما تشهده الطرقات من تجاوزات خلال الازمات هي ناتجة عن حالة الرعب الشديد التي تنتاب مستعملي الطريق، وحالة الرعب لها وقع كبير على العقل الذي يصبح في حالة شبيهة بالشلل، ويكون تفكير السائق متجه الى تجاوز الخطر بأي تكلفة وتحت اي ظرف. وأضاف محدثنا ان مشاهد السيارات التي جرفتها المياه في الوطن القبلي، خلقت نوع من «الفوبيا» لدى اغلب مستعملي الطريق، واصبحت التقلبات الجوية مثيرة للرعب والخوف بالنسبة لهم. رئيسة جمعية سفراء السلامة المرورية عفاف بن غنية ل «الشروق» ..السياقة المتهورة في الأزمات سببها الخوف أكّدت رئيسة جمعية سفراء السلامة المرورية عفاف بن غنية، في تصريح ل«الشروق» أن وسائل الدفاع التي يتوخاها الانسان عند الازمات هي «الحرب او الهروب»، وذلك حسب دراسة في علم النفس، وهذه الوسائل الدفاعية يتوخها ايضا مستعملو الطريق عند الازمات المتمثلة اساسا في تهاطل الامطار بغزارة او تسجيل حوادث مرور او اختناق مروري. وأكّدت بن غنية انه عند تسجيل حادث مرور بين سيارتين، فان ردة فعل السائقين تكون في البداية بالشجار لفترة تترواح بين 15 دقيقة ونصف ساعة، ثم بداية استيعاب المشكل وتفكير في اعلام السلط المعنية او القيام بتعمير شهادة المعاينة الصلحية للحادث. وأكدت رئيسة الجمعية انه عند الازمات يصبح مستعمل الطريق يميل الى اللاعقلانية، فيصبح اكثر تهورا واندفاعا، وترددا في الطريق الذي يسلكه، واتيان البعض لسلوك محفوف بالمخاطر مبني على الهجوم قبل التركيز في ايجاد حلول للمشكل. وقالت بن غنية، انه من الضروري تدريس السياقة خلال الازمات في الامتحانات النظرية للمرشحين، مؤكدة انه من السلوكات التي يقوم بها مستعملو الطريق خلال الازمات، هو التوقف عند مشاهدة حادث المرور، وعملية الوقوف عادة ما تكون بدافع الفرجة او القيام بعمليات مساعدة. وأضافت ان اتيان سلوكات محفوفة بالمخاطر خلال الازمات في تزايد ملحوظ، وانه يجب التركيز عليها خلال الحملات التحسيسية، وحث مستعملي الطريق على الهدوء واحترام إشارات المرور خلال الازمات، مضيفا ان ذلك يعود اساسا الى دافع الخوف وعدم الاحساس بالامان لدى الكثير من التونسيين، الذين اصبحوا يشعرون بان تهاطل الامطار سيجعلهم اكثر عرضة للاختناق المروري وهو ما يجعلهم دائما في عجلة من أمرهم.