باتت الحياة الوطنيّة مُقبلة على تَغيُّرات مؤكّدة في علاقة بموازين القوى المستجدّة بعد المسلك الجديد الذي اتّخذه حزب الاتحاد الوطني الحر في انسحابه من مشروع كتلة الائتلاف الوطني واندماجه في حزب نداء تونس. وبعيدا عن معارك الاصطفاف ومواقف الموالاة والأخبار المصطنعة في هذا الاتّجاه أو ذاك والتجاذبات الجانبيّة الباحثة عن الاستفادة العرضيّة المجانيّة، فقد كان لما جرى نهاية الأسبوع المنقضي وقع مهم على تفاعلات الأزمة السياسيّة التي تعيشها بلادنا منذ اشهر بما فرضهُ من واقع جديد لا يُمكن أبدا عزلهُ عن الصراع داخل أروقة الحكم، بين رئيسي الدولة والحكومة من جهة ورئيس الحكومة وحزب نداء تونس من جهة أخرى، وأيضا تنازع المواقع بين مختلف الأحزاب والفاعلين السياسيّين وما تمرّ به سياسة التوافق بين الشيخين، السبسي والغنوشي، من اهتزاز وارتباك. يبدو اليوم واضحا أنّ رئيس الجمهوريّة وحزب نداء تونس قد كسبا نقاطا مهمّة في معركة الإطاحة برئيس الحكومة وأيضا في سياق لي الأذرع مع حركة النهضة وإعادة ميزان القوى معها الى نوع من التساوي الذي قد يُساعد على إجراء تفاوض عادل مستقبلا. سياسيّا، ما قام به الاتحاد الوطني الحر هو عمليّة خلط لأوراق اللعبة السياسيّة من جديد وارباك الخطة التي كانت موضوعة بهدف استبعاد رئيس الجمهوريّة، كقوّة مؤثّرة وذات رمزيّة، ودفع نداء تونس نحو الانهيار في مقابل صعود مشهد جديد، أحد ركائزه مشروع سياسي وحزبي مفترض لرئيس الحكومة عماده كتلة الائتلاف الوطني، ومضمونه شراكة جديدة قالت حركة النهضة بداية الأسبوع المنقضي أنّها بصدد التفاوض حولها مع يوسف الشاهد. خيار «فضّ التوافق مع السبسي وبدء شراكة مع الشاهد» يبدو الآن أنّه في منعرج صعب وبصدد التعطّل التدريجي، فقد ضُرب مشروع الشاهد في عمق بانسحاب نواب الوطني الحر من كتلة الائتلاف الوطني وما سيلحق ذلك من اضطراب وتشويش، كما أنّ عودة كتلة نداء تونس الى المرتبة الثانية برلمانيا سيعقّد من المعادلة الحسابيّة والعدديّة التي كانت قائمة إلى حدود مساء السبت الفارط. ولكن تغيّر المعادلات الحسابيّة وتبدّل موازين القوى، لا يعنيان الكثير في سياق الراهن الوطني فقد لا يكفيان لمعالجة الأزمة السياسيّة وإيجاد مخارج عاجلة لوضع عام متدهور على أكثر من صعيد، فالأزمة ما تزال ماثلة ولا يبدو في الأفق انتصار لطرف على حساب الآخر. إنّ ما حدث هو تبادل للمواقع لا غير، في حين أنّ المطلوب هو تعديل المواقف وتقريب وجهات النظر للوصول الى تفاهمات سياسيّة تنتقلُ بالحياة الوطنيّة الى واقع الاستقرار والتهدئة وتمكّن مؤسّسات الدولة من الاشتغال بانسجام بعيدا عن كلّ مخاوف القطيعة ومزيد تعكير الأجواء. يبقى الأمل دونما شكّ في حكمة الكبار، وعلى رأسهم الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، وأيضا المنظمات الوطنية الكبرى وفي مقدّمتها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، للجلوس معا وإجراء الحوارات اللازمة وتغليب المصلحة الوطنيّة دون غيرها من الاعتبارات، فأمن البلاد واستقرارها وفتح الآفاق للتنمية والاستثمار وتحسين ظروف عيش المواطنين والاستجابة لحاجياتهم ورفع الضغوط عنهم وتأمين تواصل تجربة الانتقال الديمقراطي، أولى من تواصل المناكفة والعناد والمُكابرة والمغامرات ومختلف صنوف المغالبة وتبادل المواقع لأنّه منهج لا نهاية له.