أمهلني قليلا يا قلمي لأنّ «الكلام على الكلام صعب» مع الالتزام بقاعدة «لا تقل ما لا تعلم بل قل كلّ ما تعلم»... من منّا، آباء/ أولياء، مربّين (أساتذة، معلمين)، تلاميذ طبعا، وصحافة ليس لها علاقة مباشرة او غير مباشرة، من قريب او من بعيد بموضوع يؤرق الجميع، كيف لا وهو أولوية الأولويات في حياة مجتمعنا بل كل مجتمعات الدنيا، إنه موضوع التربية والتعليم» الذي به تُرفع رايات الإصلاح وتُقاس الحضارات. ولشدّ ما لفت انتباهي مما حُبّر في هذا الموضوع، وخاصة هذه الأيام وفي اليوم العالمي للمعلّم (5 أكتوبر 2018)، وأستسمح كل متسائل ما الذي دفعني إلى طرح هذا المشغل؟ أليس من حقّي بل من واجبي وأنا ابن التربية لأربعين سنة وتزيد، معلّما ومتفقدا، مؤيّدا ما قامت به جريدة «الشروق» وخاصة الأعداد الصادرة في 20 /09/ 2018 وتحت عناوين «المعلم رسول بلا رسالة» وفي 4/ 10/ 2018 «من ينقذ مدارسنا المنكوبة متفقدو التعليم الأساسي ينتفضون تهجم وزير التربية غير مبرّر (وهذا العنوان يحتاج التعليق عليه في مناسبة خاصة) وفي 5/ 10/ 2018 «سيدي»: كان صرحا فهوى» والمقال مُحلّى بصورة معبّرة لا أجمل ولا أبهى: عن أي معلم نتحدث، من أضاع معلّمه أضاع علمه... وممّا جاء فيه «مبدئيا لا بدّ ان نتبين ان وظيفة المعلّم في مفهومها الكلاسيكي تغيّرت... فالمعلّم اليوم مطالب بالتكيف مع الحاجيات التعليمية الجديدة وامتلاك نفس لغة تخاطب الناشئة والشباب لتحفيزهم على كسب العلم والمعرفة، ومن الواضح أنّه ثمة هوة عميقة بين المعلم والتلميذ، ومردّ ذلك انّ الطرفين لا يتكلمان نفس اللغة، فالتلميذ وفي غالب الأحيان هو كائن حي رقمي بامتياز في حين انّ غالبية المعلمين لا تزال في طور الطباشير والسبورة... إضافة إلى أنّ مفهوم التربية في حد ذاته تغيّر ولم يعد يعتمد على الوسائل القديمة كاعتماد العقاب والضرب والاحتفاظ بالتلميذ بعد ساعات الدرس وإجباره على نقل ونسخ مئات الجمل...» يبقى الحديث عن الإصلاح التربوي هو حديث شهرزاد، ماذا أقول لمن قمت له ووفيته التبجيل وأنا صغير زاده كتاب «اقرأ» وكراس ومقلمة وحقة أعواد وأصبع طباشير ولوحة... ماذا أقول له وأنا اليوم كبير السنّ زاده حبّ المدرسة والمدرّس والدروس وتتابع التساؤلات والطرح ونحن نقول «نعيب زماننا والعيب فينا» مكررا عذرا: هل وهل وهل... مَنْ ومَنْ ومن المسؤول؟ من بيده الإصلاح؟ هل هي الأسرة التي منها يتلقى الطفل النماذج الإيجابية والسلبية؟ هل هو المربّي (معلم / أستاذ) وشعاره «كيف اعلّمه وهو لا يحبّني» (ولأُعلّم القليل يجب ان أعرف الكثير) حتّى أأقدّم لمن أوكل إليّ تعليمهم وهم قد خُلقوا لزمان غير زماننا؟ هل المقصود من المدرسة جدرانها وبناؤها الشامخ فقط أم أهميتها من حيث موادها المدرسية وهيئة مدرّسيها ومقدار تفهّمهم لواجبهم التربوي وتعاونهم كلّ في ميدانه للحصول على نتيجة أحسن وفي ظروف أليق... هل من المعقول مثلا أن يتلقّى التلميذ تربية بدنية في أول ساعة من ساعات الظهيرة؟ فتنظيم جدول الدراسة يوجب جعل المواد التي تحتاج إلى إجهاد وتفكير في أوّل النهار والأعمال التي تحتاج إلى قليل من التعب في النصف الثاني منه، وتدعيما لمقولة «دعهم يمارسون حياتهم وطفولتهم». وحتى أختم، وما لهذا الموضوع خاتمة، بدعوة ملحّة إلى كل من له غيرة على الأجيال وتربيتها تاركا التشكّي والتأسّي إلى بعث قناة تلفزية تربوية نسجا على منوال الشقيقة مصر حتى تقدم صورة وصوتا ما يفيد الأولياء والمربّين وحتى نقول «كفى الله المؤمنين...» متجنبين الخلط والخبط والدروس الخصوصية، وقد انتهى عهد كان فيه المعلّم مصدر المعرفة، وفي ذهني ذكرى مشروع تربوي أعددناه منذ سنين ولعلّه قُبر ويحمل عنوان «يوم بلا محفظة». محمد العلاني (من شيوخ التربية)