بحضور عدد من المربين والمثقفين والباحثين في الشأن التربوي، تحدث الدكتور والخبير الدولي في تقييم النظم التربوية والرئيس الجديد للإتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية محمد بن فاطمة عن المداخل الممكنة لإصلاح المنظومة التربوية، وأكد خلال أمسية ثقافية نظمها منتدى الجاحظ أن مشروع الإصلاح التربوي يحتاج إلى إصلاح، ويتطلب مراجعات في العمق وبين انه توجد أكثر من 400 نقيصة في المنظومة التربوية وقد يتطلب إصلاحها عشرات السنين لكن عند اعتماد منهج علمي سيقع اختصار الطريق، وكشف الأستاذ الجامعي أحمد بوعزي أوجه التدخل الفرنسي في تخطيط المنظومة التربوية في تونس، وقدم الدكتور والأستاذ الجامعي في علوم التربية يوسف السهيلي قراءة فلسفية لأحد مؤلفات جون جاك روسو حول تربية الطفل، وعبر بعض المشاركين في المنتدى عن استيائهم الكبير من تقهقر وضع المدرسة العمومية في تونس.. تقهقر فضحته نتائج التقييمات الدولية خاصة تقييم بيزا.. فهي نتائج هزيلة للغاية ومخجلة وتبعث على الحزن.. فالتلميذ التونسي ضعيف جدا في الرياضيات، والأدهى والأمر من ذلك فقد تبين أن درجة فهمه للمكتوب باللغة العربية محدودة، فهو يقرأ ولا يفهم ما يقرأه، أما في العلوم فإن التلاميذ التونسيين لا يركزون وهم أكثر التلاميذ تشويشا عند دراسة هذه المادة مقارنة بتلاميذ جميع البلدان المشاركة في التقييم فهذه المرة تصدروا المرتبة الأولى.. لكنها المرتبة الأولى في ما هو أسوأ.. وتساءلوا بحرقة إلى أين نحن ذاهبون بالمدرسة؟ ومتى يتم الشروع في إصلاح ما أفسده الدهر؟ ونظرا لأن الإشكاليات التي يعاني منها القطاع التربوي كثيرة ومتراكمة فقد اختار منتدى الجاحظ هذه المرة أن يركز المنظار على نقطتين فحسب، وجاء المنتدى تحت عنوان «الإصلاح التربوي: أزمة المناهج وإشكالية القيم». إصلاح أكد الدكتور بن فاطمة ان مدخله يجب ان يكون مدخلا علميا.. علميا.. علميا.. وحرص على تكرار هذه الكلمة.. فالإصلاح على حد تعبيره يجب ان يكون بعيدا كل البعد عن الصراعات الإيديولوجية والتجاذبات السياسية. ويذكر أن الخبير محمد بن فاطمة لوح سابقا بأنه ينوي الاستقالة من الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية لأنه أحس أن هذا الائتلاف أصبح مسيسا، وباستفساره لماذا لم يستقل أجاب أنه عمل بكل جهده على وضع الائتلاف على السكة الصحيحة ويعتقد انه صار الان على السكة الصحيحة وعنوانها ان يكون مدخله الى الإصلاح التربوي مدخلا علميا بعيدا عن الايديولوجيا والتسييس. أما الرئيس السابق للائتلاف الدكتور مصدق الجليدي فقد التحق على حد تأكيده بأحد الأحزاب السياسية. وفي مداخلته حول الإصلاح التربوي، بين الدكتور بن فاطمة أنه لا بد من إرساء بنية أساسية للإصلاح من خلال إحداث مجلس أعلى للتربية والتعليم والتكوين لكي يسطر السياسات التربوية بدلا عن وزارة التربية، ولا بد من إحداث معهد وطني لتقييم المنظومة التربوية يتولى تقييم مسار التربية في جميع الوزارات المعنية بالتربية ويجب إحداث كلية تربية إذ توجد حاليا بعض المعاهد العليا لتكوين المعلمين والمطلوب تكوين معلمين وأساتذة ومتفقدين ومهدسي إصلاح تربوي ولا بد أيضا من كتابة ميثاق وطني للتربية والتعليم والتكوين يكون دستورا للتربية يقوم بوضعه المجلس الأعلى للتربية والتكوين. ويرى الخبير أنه من الضروري التخلي عن اعتماد المنهجية الخبرية من كلمة الخبرة فمن يقومون بالإصلاح لهم تجربة وخبرة ثرية لكنهم غير ملمين بعلوم إصلاح التربية، فالمطلوب هو استعمال المنهج العلمي الذي لا يخضع للإيديولوجيات ولا يكترث بالتجاذبات السياسية. ومداخل الإصلاح التربوي حسب رأي الخبير هو مدخل الحوكمة والمدخل الاستراتيجي ثم مدخل الجودة فالمدخل التنفيذي ثم مدخل البنك الدولي، وفسر أن المنظومة التربوية يجب ان تختار مدخلا من هذه المداخل لكي تسطر طريق الإصلاح وتضع رؤية للإصلاح واضحة ومضبوطة ولها مبادئ وتقنيات والرؤية عند فحصها تمكن من استنباط استراتيجيات الإصلاح التربوي ومنها يتم وضع برنامج الإصلاح ومنه توضع العمليات الميدانية للإصلاح. ويرى بن فاطمة انه لا بد أيضا من مراجعة المفاهيم وفق مدلولاتها العلمية وتجنب الخلط بين المفهوم والمصطلح ومن المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة مفهوم الجودة ومفهوم الحوكمة ومفهوم المقاربة ومفهوم الكفاية وتوجد مفاهيم عديدة أخرى تعتمدها وزارة التربية وجب تصحيحها وشرحها من خلال اعتماد علم التكنولوجيا اللامادية وهو علم قائم بذاته تعتمده البلدان المتطورة تربويا. ونصح بن فاطمة الوزارة بتشريك الخبراء التونسيين في إصلاح المنظومة التربوية ونبهها الى ان الخبراء الأجانب ليس جميعهم ثقات فهناك من يبحث عن المال وهو مستعد مقابل إرضاء الوزارة إلى المغالطة. وحذر الخبير مرة أخرى من ان مشروع إصلاح المنظومة التربوية به عطب وفساد وقال إنه يجب إصلاح الإصلاح وذكر أن الوزارة ترفض النصح وانه تفطن إلى أخطاء علمية قام بها الخبراء الأجانب عند تكوين المتفقدين الذين سيتلون انجاز الإصلاح وعبر عن أمله في ان يتعاطى الوزير الجديد للتربية بجدية مع المراسلة التي وجهها إليه والى المديرين العامين للوزارة في هذا الشأن وبين انه سيوجه نفس النداء إلى الرئاسات الثلاثة فالأمر خطير ويتطلب التدخل العاجل. لماذا فرنسا؟ لا تقل المعطيات الخاطئة التي يقدمها الخبراء الأجانب للإطارات التربوية العليا خطرا عن تدخل من نوع آخر غطاؤه تعاون وانفتاح على الآخر.. وفي هذا السياق قال الجامعي الأحمد بوعزي إنه يريد أن يعلم الجميع انه درس في فرنسا ويحب الفرنسية وجل كتبه ألفها بالفرنسية لكنه سيحدثهم عن التدخل الفرنسي في تخطيط المنظومة التربوية في تونس، وقدم لهم معطيات عن تعامل لجنة المنهاج الدراسي مع المركز الدولي للدراسات البيداغوجية، وكيف ان عضوا باللجنة تقول انه تابع للأمم المتحدة والحال انه يأخذ تمويلا من اليونيسيف لينفذ برامجه في تونس وهدفه الرئيسي ترسيخ اللغة الفرنسية وعدد الجامعي ما وصفه بمظاهر استقالة الدولة التونسية لفائدة هذا المركز وذكر أن برنامج دعم إصلاح المناهج الدراسية وإعادة النظر في منظومة التدريب المستمر فيه أخطاء فادحة وحذر من تبعاتها لأن إدخال مفاهيم خاطئة للمتفقدين المعنيين بالإصلاح كل ما سينتج عنه خاطئ. كما يوجد برنامج تنفيذ الخطة الرقمية للتعليم وبرنامج تقديم المساعدة التقنية لوزارة التعليم العالي لدعم التدريب وقدم موقع هذا المركز الفرنسي على الواب قائمة في الوفود التونسية المستقبلة في فرنسا. وبين ان ما تقدم ذكره يهم التعليم العمومي أما في مجال التعليم الخاص فقد تم اعتماد 8 مدارس خاصة في تونس من قبل الحكومة الفرنسية، وتساءل الجامعي مستنكرا لماذا كل هذا الاهتمام بتونس ولماذا فرنسا؟ فهي وبناء على تقييم «بيزا» ليست في المراتب الأولى بل تحتل المرتبة 27 وبالتالي من المفروض أن يتم الاستئناس بتجارب بلدان ناجحة وتتصدر المراتب الأولى مثل سنغفورة واليابان واستونيا وفنلدنا وكندا وسلوفينيا وختم المحاضر بسؤال :»هل يعتقد عاقل ان فرنسا تتدخل في تعليم تونس لغير مصالحها؟». ◗ سعيدة بوهلال الطفل محور العملية التربوية.. دعه يلعب.. دعه يجرب بأسلوب فلسفي، خاطب الجامعي يوسف السهيلي المشاركين في منتدى الجاحظ حول الإصلاح التربوي واختار ان يعنون مداخلته ب :» في علوم التربية «التربية السلبية.. تربية الحرية من خلال كتاب» إيميل» لجون جاك روسو». وبين ان الواقع التربوي في تونس مر ومأزوم ولإصلاح الوضع لا بد أن نأخذ العبرة من التاريخ.. وأشار الى أنه قضى أكثر من عقدين ونصف يدرس في الثانوي وهو حاليا يدرس في الجامعة التونسية، ويستغرب عندما يلاحظ ان هناك من المعلمين من يرفضون تسمية «معلم» ويريدون «الأستاذ» لأنهم حاصلون على الأستاذية فهل لا يدركون أن أرسطو كان معلما وسقراط كان معلما وجون لوك كان معلما وكل حكيم أو فيلسوف هو معلم. وأبحر الجامعي إثر ذلك في صفحات كتاب ايميل لجون جاك روسو وكيف ان التعليم لديه يقتل التعلم وكيف أنه يريد العقل المصقول بدلا عن العقل المشحون وكيف أن التربية السلبية وتربية الحرية عند روسو تبدو تربية سلبية لكن في باطنها غير ذلك.. فروسو على حد ذكره كان يقول :»ما الفائدة من كل هذه المدارس وما هذا الكم الهائل من البنايات العالمة؟ فهل هي لخدعة الشعب يا أساتذة الإفك إنكم تتظاهرون بتعليم الشعب بينما انتم تفسدونه».. وتعرض بسبب كتابه هذا للمحاكمة بتهمة إفساد الناشئة، ومركز روسو الطفل في قلب العملية التربوية وجعل للطفولة قدرا وقيمة، وحوصل الجامعي مبادئ التربية السلبية على انها لا تقوم على تعليم الطفل الفضيلة والحقيقة المطلقة وهي ضد التربية الايجابية التي تعرف بأنها تكون العقل قبل الأوان وتزود الطفل بواجبات الكهل. وكان روسو على حد قوله يرفض ذلك ويقول ان الطفل ما زال طفلا ولا يجب ان نتعسف عليه ونكرهه قسرا على فعل هذا الشيء وترك ذلك أو نطلب منه شيئا يقوم بها الكبار أو نعامله على أساس انه طبيعة عاقلة.. فالطفل يجب أن ينعم منذ نعومة أظافره بالتربية الجسدية الحرة من خلال فك القماط عنه وتركه ينعم بنموه ويستمتع بحركاته ثم في مرحلة لاحقة يجب ان نتركه يلعب ويلعب ويجرب ويضيع الوقت ويتعلم بنفسه دون ان نمارس عليه التربية المستعجلة فهي تربية ضارة وفاسدة ثم نتركه يتعلم دون قواعد وانتهى روسو في كتاب ايميل الى أنه لم يرب ايميل لكي يعيش في الفلاة بل رباه لكي يعيش في المدينة.