ستعيش البلاد مرّة أخرى على وقع تحوير وزاري هو الثالث منذ تولي يوسف الشاهد رئاسة الحكومة.وهو تحوير لم تفرضه حاجة الحكومة والبلاد الى ضخ «دماء جديدة» في الأداء الحكومي بل أملته الصراعات السياسية الدائرة منذ أشهر بين مختلف الأطراف. تونس (الشروق) في تواصل مع ظاهرة «التغيير السنوي» للحكومات التي أفرزت إلى حد الآن 8 حكومات في ظرف 8 سنوات تخللتها حوالي 4 تحويرات وزارية، ستتجه الأنظار مجددا في الفترة القادمة إلى التحوير الوزاري الذي من المنتظر أن يُجريه يوسف الشاهد على حكومته. وهو الثالث منذ توليه رئاسة الحكومة في أوت 2016. تحوير طال الحديث حوله منذ أشهر وطالبت به عدة أطراف بسبب ما يعتبرونه «ضعفا» و»نقصا» في الأداء الحكومي وخاصة على مستوى بعض الوزارات. لكن الشاهد اختار تأخيره رغم تأكيده منذ جوان الماضي ان «التحميل جار» لهذا التحوير. غير ان السؤال الأبرز الذي ظل يتردد طيلة الفترة الماضية لدى المتابعين والمحللين هو الدوافع الحقيقية الى إجراء تحوير وزاري، هل فرضته الحاجة فعلا على ضخ دماء جديدة في عمل الفريق الحكومي الحالي قصد تحسين أدائه وتحسين الأوضاع الصعبة، أم فرضته المعركة السياسية الدائرة منذ أشهر؟ الحاجة الى التحوير المنطق يفرض أنه كلما عجزت حكومة أو بعض وزاراتها عن أداء الدور المطلوب منها تتأكد الحاجة إلى اجراء تعديل وزاري. هذه المعادلة تنطبق اليوم – في رأي عدة أطراف – على الحكومة الحالية. فعدة أحزاب ومنظمات وطنية ومجتمع مدني وخبراء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لاحظت منذ مدة أن الأداء الحكومي لم يكن في مستوى الانتظارات مستدلين على ذلك بتراجع أغلب المؤشرات الاقتصادية وبتراجع مستوى المعيشة (بسبب غلاء الاسعار وتردي الخدمات العمومية وتنامي البطالة والفقر وتواصل مظاهر الفوضى والانفلات والفساد والافلات من العقاب) وبصعوبة الوضعية المالية للدولة. وكل ذلك كان في رأي أصحاب هذا الرأي نتيجة ضعف أداء بعض الوزارات. وهو ما جعلهم يطالبون منذ أشهر بإدخال تغييرات عليها. حسم المعركة رغم هذه الحاجة الفعلية والموضوعية الى اجراء تحوير وزاري إلا أن بعض المتابعين يرون ان غاية الشاهد من وراء هذا التحوير ليس فعلا من اجل تحسين أداء حكومته. بل يتنزل في إطار المعركة السياسية التي يخوضها منذ فترة تجاه الشق الذي يطالب بإقالته. ويتوقع المتابعون ان هذا التحوير قد يكون منبثقا عن تحالفات سياسية جديدة يبدو أن الشاهد بدأ يستعد للدخول فيها قصد ضمان أوفر حظوظ «الانتصار» في معركته ضد خصومه لاسيما معركة كسب الثقة في البرلمان التي ستكون فيصلا رئيسيا للصراع. فرئيس الجمهورية طلب من الشاهد التوجه الى البرلمان لنيل الثقة مجددا في حكومته وذلك في إطار الفصل ال98 من الدستور غير ان الشاهد سيلجأ إلى «تكتيك» التحوير الوزاري وبذلك سيتوجه إلى البرلمان لنيل الثقة في الوزراء الجدد ومن ثمة نيل الثقة مجددا في الحكومة برمتها.. وهذا ما سيتطلب منه تحضير الارضية المناسبة تحت قبة البرلمان من خلال ضمان أغلبية تصوت على منحه الثقة. النهضة والمشروع وآخرون بداية تحضير الشاهد لهذه الارضية البرلمانية كانت مع تكوين كتلة برلمانية جديدة ( الائتلاف الوطني). ثم بدأ الحديث عن التحالفات التي يبدو انه سيختارها ابرزها التحالف مع النهضة، التي سبق أن أكدت انها دخلت في مفاوضات معه من اجل «شراكة» مستقبلية مع تردد تسريبات تقول إن الشاهد قد يكون وعدها بالمحافظة على نصيبها الحالي من الحقائب الوزارية وربما دعمه . ومن التحالفات المنتظرة كذلك هي التي قد تجمعه بحركة مشروع تونس ذات الكتلة البرلمانية الهامة في مجلس النواب خاصة بعد أن لمّح مؤخرا أمينها العام محسن مرزوق إلى ذلك عندما دعا في بيان له الشاهد الى إجراء تعديل حكومي مع استعداد حركته «للمشاركة في الحوار حول هذا التعديل وحول خطة عمل الحكومة المقبلة» مع التأكيد على غلق الباب أمام الاندماج مع نداء تونس. كما تردد مؤخرا ايضا امكانية حصول تقارب بين الشاهد وحزب المبادرة خاصة بعد لقائه برئيسه كمال مرجان رغم ان المكلّف بالإعلام في حزب المبادرة محمد صافي الجلالي، قال إن اللقاء تمحور فقط «حول الوضع العام بالبلاد ولم يتم التطرق خلاله إلى إمكانية تأسيس تحالف سياسي مشترك››. ودار الحديث أيضا على تحالفات سياسية أخرى قد ينجح الشاهد في تأسيسها على غرار التحالف مع حزب الجمهوري استنادا الى تصريح أمينه العام عصام الشابي مؤخرا بأن حزبه «لا يؤيد دعوات إسقاط حكومة الشاهد». وهو ما اعتبره محللون مؤشر تقارب بين الطرفين كل ذلك الى جانب فرضيات تقارب أخرى واردة بين الشاهد وبعض الأطراف السياسية خصوصا تلك التي لها وزن في البرلمان. محاصصة حزبية الثابت أن البلاد في حاجة فعلية الى تحوير وزاري لتلافي الضعف الذي ميز أداء بعض الوزارات خاصة الوزارات التقنية المعنية بالملفات الاقتصادية والتنموية وبمنظومة السوق والبنية التحتية ومختلف الخدمات العمومية وبعض الملفات الاجتماعية وغيرها. لكن بالنظر الى كل ما سبق، يصبح الخوف كل الخوف من أن لا يهدف التحوير الى تعديل أوتار العمل الحكومي. بل الى المحاصصة الحزبية والى ترضية بعض الأطراف السياسية من أجل ضمان حظوظ وافرة للأغلبية البرلمانية يوم التصويت على منح الثقة للتحوير الوزاري ومنهُ للحكومة برمّتها وتحقيق «الانتصار» على الشق الذي ينادي بإقالته وحكومته. وكل ذلك سيجعل هذا التحوير المنتظر محاطا بمخاوف عديدة من ان يتحول الى وسيلة لتصفية الحسابات السياسية بدل التفكير في المصلحة الوطنية العليا للبلاد.