في ظرف لم يتجاوز الشهر، نجح يوسف الشاهد - مبدئيا - في كسب معركة البقاء في السلطة ولو إلى حين، بعد ضمانه أغلبية برلمانية مريحة تستمد قوتها من دعم (مؤقت) من حركة النهضة وكتلتها في البرلمان، ومن قوة برلمانية صاعدة تتمثل في كتلة الائتلاف الوطني التي باتت تستحوذ على المرتبة الثانية في ترتيب الكتل بأكثر من 47 نائبا يؤيدون مقولة «الاستقرار الحكومي» ويرفضون اسقاط الحكومة.. ليتفرغ الشاهد إلى نقل المعركة إلى مستوى ثان مع اقتراب موعد التحوير الوزاري الذي بات خاضعا لموازين القوى الجديدة بالبرلمان ولمنطق الحسابات السياسية والانتخابية في المرحلة المقبلة. بالأمس شهدنا عودة الحياة البرلمانية إلى سالف نشاطها مع انطلاق الدورة البرلمانية الخامسة والأخيرة للمدة النيابية لمجلس نواب الشعب 2014 - 2019، دورة سبقتها مستجدات ساخنة في المشهد السياسي على خلفية الخلاف- الصراع السياسي على اسقاط الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد (الذي نادت به جل الأحزاب بما فيها نداء تونس باستثناء حركة النهضة) او الاكتفاء بتحوير وزاري كان لها الأثر العميق على تركيبة المجلس وعلى توازن القوى داخله مع تكون كتلة جديدة «الائتلاف الوطني».. عودة برلمانية ستكون حبلى بالأحداث على اعتبار أن البرلمان سيكون حلبة الصراع المقبلة التي ستحسم في ما تبقى من أشهر على موعد الانتخابات المقبلة، ليس فقط في مصير الشاهد وحكومته باعتبار أن مسألة عرض الحكومة على البرلمان مجددا لإعادة نيل الثقة أصبحت من الماضي، ولكن أيضا في مسألة بقائه من عدمها في حزب حركة نداء تونس وهو الذي ما يزال قرار تجميده من الحزب الذي أعلنت عنه هيئته السياسية يوم 15 سبتمبر الماضي ساري المفعول. منذ حوار رئيس الجمهورية الذي بث على المباشر الأسبوع الماضي، والذي أعلن فيه الباجي قائد السبسي القطيعة مع حركة النهضة، ورفض ضمنيا التخلي عن دعمه السياسي لنجله حافظ قائد السبسي، ودعوته مجددا للشاهد بعرض حكومته مجددا على البرلمان لنيل الثقة، باتت فكرة عودة رئيس الحكومة إلى حضيرة الحزب من جديد مسألة مستبعدة جدا وأضحت فكرة تسريع الخطى من أجل مشروع سياسي جديد قائم على أنقاض ما تبقى من «نداء تونس» تطبخ على نار هادئة وأكثر واقعية وقابلية للتحقق. كل المؤشرات تشير إلى أن أزمة يوسف الشاهد حاليا لم تعد بقاءه في الحكم والسلطة، بل في كيفية إدارة المرحلة المقبلة في سبيل تحقيق حلمه السياسي حتى لا يكون بيدقا في يد داعميه والمحيطين به، فهو يعلم ان التحوير الوزاري المنتظر لن يكون سهلا على اعتبار أنه سيكون ملزما بترضية داعميه القدم والجدد وكسب ثقتهم قبل ثقة خصومه وخصومهم السياسيين. ومعلوم أن الشاهد كان قد كسب جولة من معركته مع حزبه ومع الأطراف المطالبة برحيله بعد ان نجح في كسب تأييد أغلبية برلمانية مريحة عند تسمية هشام الفراتي في منصب وزير الداخلية. كما نجح لاحقا في ضمان حزام برلماني مؤيد للحكومة بعد تشكل كتلة الائتلاف الوطني. عموما تتجه صورة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة إلى ثلاثة اتجاهات: أولا، أن الشاهد سيقوم بتحوير وزاري دون التشاور مع حركة نداء تونس، خاصة في ظل تواصل تجميد عضويته فيها، ما يعني خروجا نهائيا للحزب من الحكم، مع امكانية إبقاء أعضاء الحكومة الندائيين في الحكومة بصفتهم الشخصية لا بصفتهم الحزبية. على أن الشاهد سيكون مضطرا للتشاور مع كتلة الائتلاف الوطني (المكونة أساسا من نواب الوطني الحر ومن نواب مستقلين ونواب استقالوا من كتلة نداء تونس ومن كتل أخرى..)، وكتلة حركة النهضة في تسمية الوزراء الجدد في حكومته المقبلة. ثانيا، امكانية رفع تجميد الشاهد من الحزب وإعلان عودته إلى الحركة، مع تخلي القيادة الحالية عن المناداة بإسقاط الحكومة وتغيير رئيسها، وهو سيناريو مستبعد بالنظر إلى تمسك الهيئة السياسية الحالية للنداء بمواقفها السابقة، وعدم وجود بوادر صلح أو حوار بين الشاهد والهيئة السياسية للنداء بقيادة حافظ قائد السبسي، خاصة بعد دعوة رؤوف الخماسي عضو الهيئة السياسية، رئيس الحكومة إلى إعفاء كلّ وزراء وكتاب الدولة التابعين لحركة نداء تونس من الحكومة. وأكّد الخماسي في تدوينة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بتاريخ 27 سبتمبر 2018 أنهم (الهيئة السياسية لنداء تونس) غير معنيين بالتحوير الوزاري الذي سيقدم عليه الشاهد ويطلبون منه عدم التعويل على وزراء أو كتاب دولة تابعين لحركة نداء تونس مستقبلا، تمشيّا مع ما جاء في حوار رئيس الجمهورية الأخير بانتهاء حكومة الوحدة الوطنية والمسار التوافقي الذي بُنيت على أساسه الحكومة. وتتهم الهيئة السياسية للنداء يوسف الشاهد بمحاولة استدراج نواب الحزب إلى كتلة الائتلاف الوطني الناشئة والتي انطلقت في استقطاب النواب من حركة نداء تونس في إطار رؤية «توسعية» تهدف إلى إزاحة حركة نداء تونس من موقعها كثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان، خاصة بعد استقالة 14 عضوا من نداء تونس غداة قرار الحركة تجميد عضوية الشاهد اثر تجاهله الاستجواب الذي وجّهه إليه المكتب السياسي للحركة. ثالثا، استقالة يوسف الشاهد نهائيا من حزب نداء تونس، ليلبس ثوب «المستقل» ويستعد للمرحلة السياسية المقبلة، أو يعلن عن توجه سياسي جديد (تشكيل حزب جديد...). في كلتا الحالتين لا يعرف تحديدا كيف سيكون موقف حركة النهضة وهي التي طالبت يوسف الشاهد بعدم الترشح للرئاسية مقابل مواصلة دعمها له برلمانيا وأيضا سياسيا.. يذكر أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد كان قد صرح على هامش المنتدى الاقتصادي التونسي -الليبي يوم 27 سبتمبر 2018، بأنه لا يستطيع الإفصاح الآن عن موعد التحوير الوزاري الذي كان أعلن عن إمكانية إجرائه سابقا. وكان النائب عن كتلة الائتلاف الوطني وليد جلاد، رجح في تصريح صحفي إجراء رئيس الحكومة يوسف الشاهد تحويرا وزاريا شاملا من أجل ما اعتبره «توسيع القاعدة الحكومية»، خاصة أن البلاد في حاجة اليه من أجل تحسين الأداء، لافتا الى أن توجه الشاهد الى البرلمان سيكون من أجل منح الثقة لوزرائه الجدد فحسب. وكان عبد الحميد الجلاصي القيادي بحركة النهضة قد أفاد بدوره بأن الشاهد نُصح مؤخرا بضرورة التعجيل بإجراء تحوير وزاري والذهاب إلى البرلمان. تجدر الإشارة إلى أن رئاسة الحكومة كانت قد دعت في منشور صادر عنها بتاريخ 14 أوت 2018 الوزراء إلى موافاتها بمذكرة تأليفية مرفوقة بنسخة على قرص مضغوط تتضمن تقييما لنشاط وزاراتهم سنتين بعد تشكيل الحكومة. وأمهلت رئاسة الحكومة الوزراء الى يوم 30 من نفس الشهر لإعداد التقييم. ولفتت رئاسة الحكومة في منشورها الى أن "التقييم يجب أن يتضمن الانجازات الكمية والنوعية المسجلة في القطاعات الراجعة لكل وزارة بالنظر والمؤشرات التي تعكس مدى التطور الذي تشهده هذه القطاعات بالإضافة إلى الاخلالات التي صاحبت تنفيذ السياسات والبرامج والانشطة العمومية ومكامن النقص فيها والتدابير المتخذة أو المقترحة من أجل تلافيها».