كانت لرئيس الجمهورية لقاءات هامشية برئيس الحكومة لكنه لم يستقبله كعادته ولم «يتحادث» معه منذ 40 يوما فهل هي القطيعة التامة بين رأسي السلطة التشريعية وإن كان ذلك كذلك فما هي آثارها على المشهد السياسي؟. تونس الشروق: «استقبل رئيس الجمهورية بقصر قرطاج رئيس الحكومة» عبارة ألفناها وحفظناها عن ظهر قلب بما أنها كانت تتردد أسبوعيا بل أحيانا مرتين في الأسبوع الواحد. آخر عبارة قرأناها أو سمعناها كانت يوم 14 سبتمبر الماضي حين «تناول اللقاء (بين الرئيسين قايد السبسي والشاهد) نتائج مشاركة الوفد التونسي في فعاليات قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي…» بحسب ما أوردته رئاسة الجمهورية في موقعها الرسمي. اللقاء استعرض أيضا «التوجهات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى لقانون المالية لسنة 2019…» وفق إضافة المصدر سابق الذكر لكن نص رئاسة الجمهورية كان خاليا من عبارات حفظناها منذ عهد بن علي وحتى بورقيبة مثل «واستعرض رئيس الحكومة»، و«شدد رئيس الجمهورية» و«أوصى» و«أكد» و«قدم توجيهاته»... خرج من برنسه في ما مضى لم يكن الشاهد يتخذ قرارا دون العودة إلى السبسي، وإذا اتخذه فإنه يسارع بإعلام ولي نعمته ويستمع إلى نصائحه وتوجيهاته ما كان يعيدنا إلى طبيعة العلاقة بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء في النظام الرئاسي. في هذه العلاقة لم يكن هناك فرق بين الشاهد ومحمد الغنوشي في علاقة كل واحد منهما برئيس الدولة (السبسي للأول وبن علي للثاني). اليوم قطعنا مع اعتماد النظام الرئاسي داخل النظام البرلماني المعدل الذي نعتمده حاليا وتخلص رئيس الحكومة من وصاية رئيس الجمهورية وتوجيهاته وتأثيراته الأدبية وخرج من برنسه ما يضمن علاقة أفضل بين جزأي السلطة التنفيذية وسلامة دستورية في تقاسم الصلاحيات ونجاة من هيمنة إحدى مؤسستي هذه السلطة على الأخرى في غياب المحكمة الدستورية المعنية بحل النزاع لكن الخطر في حصول القطيعة التامة وفي تحول العلاقة بين المؤسستين من علاقة تبعية إلى علاقة تصادم. من حزب حاكم إلى معارض وقعت أزمة سياسية في تونس على هامش إقالة وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم وتعيين الوزير الحالي خلفا له، ولو كان هناك قدر في التنسيق لتم تفادي الأزمة. صحيح أن الشاهد مارس صلاحياته الدستورية في الإقالة والتعيين ولكن اجتناب التجاذب السياسي والأزمات السياسية يقتضي حدا أدنى من التنسيق بين الرئاستين مراعاة لهشاشة الوضع السياسي وخصوصيات التجربة التونسية في التحول الديمقراطي. التنسيق ضروري بين رئيس حكومة الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية وبين رئيس الحزب ذاته هذه بديهيات ولكن الخطر في تحول حزب رئيس الجمهورية من حزب يشكل الحكومة أو يشارك فيها أو حتى يؤيدها إلى حزب معارض لها وهي تجربة حزب النداء إذ من المنتظر أن يتحوّل من حزب حاكم إلى حزب معارض بمجرد الإعلان عن التحوير الوزاري الذي يفترض فيه أن يتخلى الشاهد عن الوزراء الندائيين. من القطيعة إلى التصادم رئيس الجمهورية هو مؤسس الحزب الذي من المفترض أن يعارض الحكومة من خارجها بمجرد الإعلان عن التحوير الوزاري القادم، وهذا يعني خطوة إضافية في القطيعة بين الحكومة وحزب النداء وحتى بين رئيس الأولى ومؤسس الثاني. لو انحصرت القطيعة في قطع التشاور والتنسيق لهان الأمر ولكن الخطر في التحوّل إلى علاقة التصادم. فكتلة حزب النداء ستعترض منطقيا على جميع ما تحيله الحكومة على البرلمان أو على الأقل أغلبه. كما إن السبسي الذي يبدي ميلا لحزبه ولابنه قد لن يغفر للشاهد عناده بل قد يستغل صلاحياته الدستورية (الأمن والسياسة الخارجية) في الضغط على الحكومة وحتى إحراجها فالمعلوم أن الصلاحيات التي سعى واضعو الدستور إلى تحديدها نظريا تتداخل عمليا والدليل في التضارب بين وزيري الداخلية والخارجية التونسيين من دعوة السعودية إلى تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية. رئيس الحكومة يبدو مستقلا دستوريا عن رئيس الجمهورية ويرى البعض أن صلاحياته تجعله أقوى في ظل نظام برلماني لكن لا ننسى أن الفصل 93 من الدستور قد خوّل لرئيس الجمهورية أن يترأس مجلس الوزراء متى شاء وبمن يحضره حتى رئيس الحكومة.