فقدت حكومة الوحدة الوطنية معناها منذ أن انحسر عدد أطرافها وبات معارضوها في الداخل والخارج أكثر من مؤيديها... اليوم يجوز الحديث عن تحولها إلى حكومة النهضة والدليل في ذلك ما شاب تعيين وزير الداخلية الجديد. تونس الشروق: «تم اعلام حركة النهضة بمقترح تعيين هشام الفوراتي وزيرا للداخلية...» هكذا علق القيادي في حركة النهضة اسامة الصغير أول أمس على حدث تعيين هشام الفوراتي وزيرا للداخلية عوضا عن الوزير المقال لطفي ابراهم. الأمر يبدو عاديا إذ من البديهي أن يعلم رئيس الحكومة الأطراف المعنية إذا تعلق الأمر بتعيين وزير. لو كان يوسف الشاهد يرأس حكومة حزبية لجاز له أن يستشير حزبها فقط ولو كان وزيرا أولا في نظام رئاسي لاكتفى بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ولو كان يرأس حكومته الخاص لحق له ألا يستشير أحدا ولكنه يرأس في الأصل حكومة وحدة وطنية منبثقة عن وثيقة قرطاج الأولى. المفترض عند هذا الحد أن يستشير سلفا كل طرف معني بوثيقة قرطاج فهل التزم بهذه الفرضية؟. لم يستشر «النداء» ذكر الشاهد أول أمس في تصريح إذاعي أنه استشار رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي والكتل البرلمانية المساندة للحكومة قبل تعيين وزير الداخلية الجديد وهذا ما أكده أسامة الصغير في تصريح ل«شمس آف آم» من أن الشاهد أعلم «الكتل النيابية الأخرى». لكن بقية الأطراف لم تؤكد هذه الاستشارة إذا ما استثنينا حركة النهضة. فهذه النائب عن نداء تونس هالة عمران تقول في تصريح إعلامي أول أمس إنه لم تقع استشارة ولا إعلام الحزب أو قياداته أو أعضاء كتلته، عند تعيين وزير الداخلية الجديد هشام الفوراتي. وهذا الناطق الرسمي باسم نداء تونس منجي الحرباوي يشير أول أمس الاربعاء عبر «شمس آف آم» إلى أن «رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يستشر الحزب قبل تعيين وزير الداخلية الجديد هشام الفوراتي». عندما يستشير رئيس الحكومة حزبا قويا حاكما مثل النهضة فمن باب أولى وأحرى أن يستشير الحزب المكلف دستوريا بتشكيل الحكومة وهو «نداء تونس» لكنه لم يفعل والعهدة على أبنائه. أعلمه دون أن يستشيره لم يتجاهل الشاهد حزب النداء فحسب بل كل الأطراف التي تخاصمه وتدفعه إلى الإستقالة مثل الاتحاد الوطني الحر واتحاد الشغل. الأكثر من هذا أنه أعلم رئيس الجمهورية دون أن يستشيره على حد ما صرّح به المستشار لدى رئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة وهذا يحيلنا إلى إقالة ابراهم التي تمت بإعلام رئيس الجمهورية دون الأخذ بنصيحته وفق ما صرّح به قبل أيام في حديث تلفزي بثته قناة «نسمة». قد يعلم الشاهد بعض الأطراف لكنه لا يستشيرهم ولا يأخذ بنصائحهم ولا يستجيب إلا لما يرضي حركة النهضة دون غيرها. هناك ما يبرر هذا التوجه فالنهضة هي الطرف القوي الوحيد الذي يساند الحكومة حاليا والشاهد بصدد توجيه رسائل التحدي لخصومه ومن غير المنطقي أن يستشيرهم فيها ولكن ما يهمنا من هذا كلّه أنه يرضي طرفا واحدا دون البقية. حكومة النهضة هناك فرق بين إرضاء النهضة ضمن بقية الأطراف وبين إرضاء الأولى دون البقية. فالفرضية الأولى تعني أن هناك عدة أطراف معنيين بالحكومة فتكون فعلا حكومة وحدة وطنية أو على الأقل حكومة تشاركية، أما الثانية فتعني أن الحكومة أصبحت حكومة الطرف الوحيد الذي يملك حق الإعلام المسبق والإستشارة والإرضاء وهو حركة النهضة. المشكلة في هذا كلّه ليس في إنهاء حكومة الوحدة الوطنية فالتسمية باتت بلا معنى منذ أمد، وليس في انفراط عقد وثيقة قرطاج فالنسخة الثانية منها معلقة إلى أجل غير مسمى. المشكلة أن هناك شبه انقلاب دستوري لأن نداء تونس يبقى الطرف المعني قبل غيره بتشكيل الحكومة ما يعني أن حكومة الشاهد هي حكومته قبل أن تكون حكومة النهضة. هذه الحركة هي الحاكم الفعلي والوحيد حاليا وهذا لا يعود إلى قوتها فحسب بل إلى ضعف نداء تونس حزبيا وبرلمانيا وسياسيا. قالوا عن تعيين الفوراتي «تعيين وزير داخلية جديد هو ضروري ولكن المستهجن والغريب أنّه اذا اعتقد (الشاهد) أن للحكومة سند سياسي ومنبثقة عن الحوار الوطني فلماذا لم يستشر أحدا في هذا التعيين» (الناطق باسم نداء تونس منجي الحرباوي من تصريح لموزاييك) «كتلة نداء تونس ستجتمع غدا (تقصد اليوم الجمعة) للنظر في منح الثقة لوزير الداخلية من عدمه... الكتلة غير معنية بهذه التسمية والتوجه الغالب هو عدم منح الثقة لوزير الداخلية المعين هشام الفراتي» (النائب عن نداء تونس هالة عمران من تصريح لراديو «ماد» أمس الخميس). «الفوراتي ينسجم مع خيار الاستقرار الحكومي الذي بنيت عليه الحركة دعمها للحكومة» القيادي في حركة النهضة أسامة الصغير من تصريح ل«شمس آف آم أول أمس الأربعاء). «تفاديا لأي تأويلات مجانبة للصواب، يهم رئاسة الجمهورية أن توضح أن رئيس الحكومة اتّخذ قراره بتعيين وزير الداخليّة في إطار صلاحيّاته الدستوريّة، وأن الإعلان عن هذا التعيين تمّ بعد إعلام رئيس الجمهورية». (الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش مما دونته أمس على صفحتها في الفايس بوك).