تونس الشروق:: تطلّع عُموم الشعب التونسي الى ان تكون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ادوات لتفعيل الانتقال الديمقراطي غير أن التجربة التونسية شوهتها الاحقاد والخصومات وفتح ملفات الماضي وتبعات الازمة السياسية. وبعد انقضاء حقبة نظام الاستبداد الذي قطعتها ثورة 2011، كان لابد من خوض مسار اصلاحي يُشترط في إنجاحه الترفع عن احقاد الماضي واتباع الية المصارحة عبر مسائلة من اذنب في حق الوطن قبل تقديم الاعتذار وجبر الأضرار وذلك من خلال مسار متكامل يهم العدالة الانتقالية التي تؤسس على المستوى النظري الى المصالحة وتوسعة التوافق بين كل الاطراف كدعامة للعيش المشترك. اما على المستوى التطبيقي ومن خلال استقراء التجربة التونسية يبدو اليوم كل شيء ضائع ولا يبدو ان هدف المصالحة سيتحقق بل بالعكس ستعاد تصفية الحسابات وفتح ملفات الماضي مثلما تشير الى ذلك اعادة محاكمة الكثير ممن فصل القضاء في ملفاتهم سابقا، ففي الوقت الذي تحتاج فيه المصالحة الى تهدئة وتوافق واسع وثقة بين كل الاطراف فان الازمة السياسية بما تحمله من حب الذات والأحقاد والمصالح الضيقة باتت تهدِّد كامل المسار. وفي تقييمه الاجمالي يرى دكتور القانون العام توفيق بوعشبة في تصريحه «للشروق» انه وللاسف هناك نفوس مريضة وحاقدة لا تريد للبلاد التونسية أن تتجاوز الآثار الوخيمة في أغلب المجالات لأحداث 14 جانفي 2011 مضيفا بانه وبعد فترة حكم الترويكا لم تفلح السلطة السياسية المتمخضة عن إنتخابات 2014 من وضع الدولة على السكة الصحيحة كما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحسين الوضع الإقتصادي واليوم يعاني الشعب التونسي الأمرين. ويخلص بوعشبة إلى أنّ ضياع المصالحة الوطنية وعودة الأحقاد وفتح ملفات الماضي تعود كلها إلى عدم صواب الخيارمن البداية حيث ان الرافضين للمصالحة الوطنية خرجوا من جحورهم في رأيه بتشجيع من بعض المنظمات الأجنبية التي ترى في تونس مخبرا لمعزوفة العدالة الإنتقالية البغيضة وتابع بالقول:» لكن الذين يشعلون النار اليوم قد يكتوون بها في مستقبل قد يكون قريبا». كما اعتبرت الناشطة السياسية بثينة قراقبة في مجمل تصريحها للشروق ان انحراف ملف العدالة الانتقالية هو نتاج السياسة وصراعات التموقع والضغط حتى باتت العدالة الانتقالية في تقديرها عدالة انتقامية وانتقائية عبر ملفات في اغلبها فارغه وقضايا وهمية تسلط سيفا على رقاب الكثير من رجال الدولة الذين ساهموا في البناء وقادوا مسيرة النمو والازدهار خوفا من عودتهم على الساحة السياسية. وتعتقد قراقبة ان انصار هيئة بن سدرين منتهية الصلوحية يخشون عودة رجالات الدولة الى مواقعهم خوفا من ان يفقدهم ذلك مواقعهم خاصة في ظل فشلهم في تسيير الدولة ومؤسساتها والسير بها نحو الإفلاس الممنهج لعدم كفاءتهم ولاستبعادهم كفاءات الإدارة التونسية بغاية إقصاء فصيل سياسي يعتبر الاعرق في البلاد واجتثاثه بدعوى محاربة الفساد الذي اثبت القضاء التونسي في كل القضايا انهم منه براء. وعلى هذه الشاكلة أصبحت هيئة بن سدرين منتهية الصلوحية في تقدير بثينة قراقبة جوهر الأزمة السياسية والاداة التي تختزلها حتى بات المسار انتقاميا ملؤه التشفي والحقد والفتن والتشكيك في استقلال البلاد بدل ان يكون مسارا يؤسس لمصالحه بين افراد الشعب الواحد، بل ان سيف العدالة الانتقامية في رأي قراقبة بات يسلط عمدا حين تشتد الازمات السياسية في البلاد وحين اقتراب كل موعد للمفاوضات السياسية والمراحل الحاسمة، حيث تابعت بالقول: «ولعل التمديد غير الشرعي لهذه الهيئة رغم انهاء مهامها يطرح نقطة استفهام كبرى ويجعلنا نطلب من الحكومة توضيحا حول ملابسات تحدي البرلمان اعلى سلطة في البلاد ويجعلنا نسأل من المستفيد في الساحة السياسية من مواصلة شيطنة رموز النظام السابق الذين بت القضاء في قضاياهم على غرار الدكتور أحمد فريعة ووزير الدولة عبد الله القلال ورئيس حزب المبادرة كمال مرجان والدكتور عياض الودرني وغيرهم من أمنيين وإطارات سامية ....لكن الحقيقة الثابتة ان الازمات السياسية تتغذى من التوظيف المشوه للعدالة الانتقالية» ومن جهته يرى كاتب عام ودادية قدماء البرلمانيين لزهر الضيفي ان ضياع بوصلة العدالة الانتقالية لا يتعلق بالازمة السياسية الراهنة بقدر مايتعلق بحوادث انتقامية وتصفية حسابات سياسية متسائلا في هذا السياق عن كيفية مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة اعمالها وتحيل ملفات الى المحاكم رغم انهاء عملها وعن تحديها للقضاء المدني والعسكري حيث اتاحت لنفسها التقاضي لمرتين في قضايا بتت فيها منظومة العدالة العادية وفي خلفيات من يدعمها اليوم بيان بكون ان الازمة السياسية باتت تهدد اليوم مسار المصالحة الوطنية.