وسط الصخب السّياسي الذي زجّ بتونس في واحدة من أخطر أزماتها، شاءت الطبيعة أن تمارس صخبها من خلال فيضانات عارمة اجتاحت العاصمة والكثير من الولايات المتاخمة لها مخلّفة أضرارا فادحة وستة قتلى وأسئلة حارقة عن الوضع البائس في البنى التحتية وضعف آليات المدن والقرى من ويلات الطبيعة. الفيضانات الأخيرة أكدت مرّة أخرى أن أولى الأولويات في المرحلتين الراهنة والقادمة هي وضع إستراتيجية شاملة وناجعة لتحسين البنية التحتية من طرقات وشوارع وجسور وشبكات تصريف المياه من أجل حماية الأرواح والممتلكات. فما شاهدناه من صور وفيديوهات في الكثير من جهات البلاد وخاصة في نابل والقصرين والكاف والمحمديّة وحتى وسط العاصمة حول الأضرار الفادحة لسيول الأمطار، أمر محزن للغاية من شأنه أن يشكل صرخة فزع أمام الحكومة وكل السياسيين ومكونات المجتمع كي يدرك الجميع أن الوضع خطير للغاية خاصة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها الشعب التونسي والتي لا يعرف أحد منتهاها أو مداها. من هذا المنبر الإعلامي (جريدة الشروق الغراء) أدعو إلى تحويل وزارة التجهيز إلى وزارة سيادة ومضاعفة ميزانيتها حتى تجد التمويلات الكافية للعناية بالبنية التحتية بشكل شامل وناجع كما أدعو إلى ردع المقاولين الذين يعبثون بأرواح الناس ومصادر رزقهم وممتلكاتهم حتى يعرف كل مقاول عهد إليه بمدّ الطريق وإقامة جسر بأن عين القانون ساهرة حتى وإن نام ضميره. وزارة التجهيز اليوم تبدو في قلب العاصمة لأنّ دواليب الاقتصاد والنقل ونسق الحياة العادية في المدن والأرياف مرتبط بمستوى الطرقات والجسور، لأنّ لأيّ شلل في هاته المسالك يعني بداهة شللا في البلاد وانقطاعا للسبل شاهدنا فصولا منه هذه الأيام على نحو لا يصدقه عقل. المؤسف أنّ أهل السياسة في تونس منشغلون بتجاذباتهم وأهوائهم وصراعاتهم الحقيقية لهذا التردي الذي يعيش الشعب واقعه كل يوم. هم يتحدثون عن الصف الواحد ويقصفون عقولنا كل يوم بشعارات اللحمة الوطنية والتكاتف والتضامن ولكن واقعنا السّياسي يكشف زيف الشعارات وتكالب الأحزاب على المناصب والكراسي وعلى غنيمة السلطة فيما يعاني التونسيون ويلات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وقسوة الطبيعة وغموض الراهن والمستقبل. لقد فرضت الفيضانات الأخيرة استحقاقات قديمة متجدّدة أضاءت كل الخطوط الحمراء في ظرف مناخي صعب وشتاء قادم لا أحد يعرف مسبقا ما يحمله للتونسيين خاصة في الجهات المهمشة من تحديات ومصاعب. ولا شكّ أنّ تحرّك المسؤولين في كل إتجاه وانعقاد لجان الحماية والتوقي من الكوارث لا يكفي في ظل غياب استراتيجية شاملة ناجعة من شأنها أن تعيد الثقة إلى النفوس وتردم الهوّة الفاصلة بين الواقع والمنشود. كلنا تحسّرنا على ضحايا الفيضانات وعلى آلام الناس وعذاباتهم، لذلك كلنا نتطلع إلى الحلول الناجعة ونحن على أبواب مناقشة ميزانية جديدة (2019) نريدها أن تكون من أجل خير تونس وشعبها حتى لا يستفحل الإحباط والضياع ونتواصل بعد الفاصل.