مرة أخرى وفي أقل من شهر تتجدّد مشاهد سيول الامطار الجارفة في تونس الكبرى بالخصوص.. مخلفة اضرارا بشرية ومادية هامة. وهذه الصور لسيارات غمرتها المياه.. وشبكات المترو والحافلات التي اصابها الشلل وعديد الأحياء المحيطة بالمدن الكبرى وهي تعاني العزلة والانهج والشوارع التي تحوّلت الى مسابح والممتلكات الخاصة وقد اتلفتها الأوحال المتراكمة وعبثت بها.. حصلت بسبب تهاطل امطار غزيرة في فترة وجيزة وبشكل مباغت مما خلّف هذه الأضرار الجسيمة. ولئن تعودت البلاد التونسية وخصوصا بعض المناطق الشمالية منها بمثل هذه التقلبات المناخية الحادة والفجئية فان جسامة الخسائر البشرية والمادية.. لمخلفات السيول الجارفة تتطلب وقتا طويلا لتجاوزها، وهذا ما يستدعي الانكباب على معالجة تداعيات هذه الظاهرة المناخية في شكل حلول استباقية بناء على دراسات ميدانية عميقة للحد من آثارها المدمرة. وفي هذا السياق خصص مجلس وزاري باشراف رئيس الدولة امس للمتابعة والتقييم والنظر في الوسائل الكفيلة بمزيد التوقي من هذه الفيضانات، وتم بالمناسبة اتخاذ تدابير منها تحجير الترخيص للبناء في منطقة سبالة بن عمار ولكل ما يمثل حاجزا امام سيلان المياه وربط كل الدراسات التي تهم منشآت البنية الاساسية والمشاريع العمرانية مستقبلا بدراسة مائية تخص كل واحدة منها، ومزيد احكام التنسيق بين الوزارات المعنية في كل المشاريع العمرانية والطرقات بما يساعد على مزيد الحد من مضاعفات الظواهر المناخية المفاجئة. ان التمطط العمراني الذي تشهده المدن الكبرى وما يستدعيه ذلك من تهيئة ترابية ومد الجسور والطرقات يعتبر امرا طبيعيا بل وضروريا بحكم نسق التمدّن والتطور البشري وما يتطلبه من تطويع لخصائص الطبيعة.. ولكن لمثل هذه الانجازات من أجل رفاهية المواطن ضريبة قاسية ان لم تراع حرمة الطبيعة وقوانينها.. ومنها غياب الدراسات المعمقة التي من شأنها ان تجنب انتهاك هذه الحرمة.. والقضم العشوائي من آلاف الهكتارات من الغابات لتعويضها بالاسمنت المسلح.. و«خنق» الاودية والانهار لدواعي عمرانية الى جانب مخلفات البناء الفوضوي نتيجة استقطاب احواز المدن الكبرى لآلاف الأسر القادمة من داخل البلاد البعض منها بحثا عن موارد رزق والاخرى لهثا وراء اضواء هذه المدن وهي جميعها عوامل ساهمت في تكرر حصول هذه الاضرار رغم الجهود المضنية التي تبذلها كل الاطراف المتدخلة للنجدة والانقاذ وروح التطوع والتآزر لدى العديد من المواطنين.