تحوّل خطاب الأستاذ راشد الغنوشي أمس بمناسبة افتتاح الندوة السنويّة لحركة النهضة ليكون حدثا وطنيا بامتياز. فقد لفت إليه الأنظار بشكل واسع. وكان محلّ انتظار واسع لما سيحملهُ من مضامين تسهّل على المتابعين فهم جزء هام من الحياة الوطنية خلال الفترة المقبلة بناء على توجّهات الحزب الأهم اليوم على الساحة السياسيّة. تحدّث الغنوشي أمس بإطناب وتفصيل. فلامس خطابه غالبيّة الملفات والقضايا التي تشغل الرأي العام المحلي، في علاقة بتموقع حركة النهضة في منظومة الحكم وعلاقتها بمختلف مكوّنات المشهد والردود حول ما يوجّه إليها من اتهامات.وأيضا تطرّق إلى رؤية مستقبلية لتنمية البلاد في أفق 2030. وهذا ما يعني أنّ الغنوشي أطلق ما يُشبه البرنامج الانتخابي لحركته، وربّما لنفسه، بما يعكسُ ثقة في القدرة على تحقيق الفوز الانتخابي في نهاية السنة المقبلة. خطاب الغنوشي نقل الحياة الوطنية إلى آفاق العشريّة القادمة بوضع تصورات للحكم وصيغ تحقيق الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق النمو المطلوب. والخيط الناظم في مختلف فقرات ذلك الخطاب هو تحفيز المشهد النهضاوي على ابتكار المبادرات والتصوّرات القادرة على الاستجابة لما تعيشه البلاد من رهانات صعبة وبتفعيل هيكلة تنفيذية جديدة ومزيد الانفتاح على الكفاءات وضبط الخطط الاستراتيجية المستقبليّة. كما كان لافتا للنظر التأكيد على التوافق والشراكة مع مختلف القوى الوطنيّة والحرص على إنجاح مسار المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي. وفي هذا السياق يتنزّل مقترح مبادرة تشريعيّة لسن عفو عام يتخطى بالبلاد عقبات العدالة الانتقالية وتجاذباتها وينقلها بصفة عاجلة إلى أفق المصالحة الوطنية الشاملة المنشودة كعنوان لنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي والقطع نهائيا مع سياسات الإقصاء والاستبداد والهيمنة. قدّم الغنوشي صورة عن حزب منظم ومهيكل قادر على التفاعل بإيجابيّة مع تَغيُّرات الواقع وتقديم مبادرات من شأنها أن تُسهم في خدمة البلاد والسير بها في طريق النمو والازدهار. ولكن قد لا يكون ذلك الخطاب بما فيه من مضامين كافيا لتجاوز الأزمات الوطنية، وعلى رأسها الأزمة السياسية الراهنة. إذ لا بدّ من انتظار رجع الصدى في الجهات المقابلة بترصّد تفاعل بقية الأطراف الوطنية ومعرفة مدى تجاوبها خاصة مع المبادئ والمواقف والمبادرات التي أُعلنت في خطاب يوم أمس. كما أنه لا بدّ من انتظار تفاعل الجسم النهضاوي نفسه مع تحفيزات الغنوشي وخارطة الطريق المرسومة وقدرته على تنفيذ خيارات لحزب كبير ذاهب إلى المزيد من المسؤوليات ومهمّات الحكم محليّا وجهويّا ومركزيا. فالواضح أنّ الغنوشي، من خلال ذلك الخطاب، قد نقل المشهد الوطني، المليء بالإكراهات والتجاذبات، إلى أفق جديد فيه توسيع المشاركة السياسيّة ورصّ الصفوف. كما انتقل بحزبه، أي حركة النهضة، بصفة رسميّة الى مستوى الرهانات الوطنية الكبرى عبر اقتراح خطة عشريّة وترشيح فريق حكومي يتولى المساهمة في خدمة البلاد في أفق سنة 2030، بما يعكس وضوح الرؤية والاستعداد من الآن بروح إيجابيّة لكسب المنافسات الانتخابية والسياسيّة القادمة.