لن يكون الخيار سهلا او يسيرا امام «الدساترة» خلال الفترة المقبلة، فبعد ان تأكدت عودتهم الى المشهد السياسي الى الدرجة التي صرح فيها الكثير من الفاعلين والمحللين بانهم اصبحوا الرهان الصعب في المحطات المنتظرة والرهان الصعب أيضاً في تجاوز البلاد للصعوبات التي تمر بها. مخطئ من يتصور اليوم ان «الدساترة» هم مشكل بل ان القناعة تترسخ من فترة الى اخرى بانهم لا يمكن ان يكونوا غير جزء مساهم في الحل وإخراج البلاد مما تردت فيه من تجاذبات وتحديات تعويلا على ما لديهم من خبرة في تسيير الدولة اكتسبوها منذ الاستقلال الى اليوم.
عودة الدساترة الى سطح الاحداث لم يكن صدفة بل كان أمرا متوقعا برغم المساعي التي هدفت مباشرة اثر الثورة الى اقصائهم والقضاء على وجودهم السياسي والحزبي والتنظيمي، كانت جل الاحداث منذ الثورة تضيق عليهم الخناق وتزيد في عزلتهم ولكنهم رفضوا الانجرار وراء الفوضى وتوتير الأوضاع ورد الفعل وعملوا بهدوء وأمكن لهم حصد بعض النتائج في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عبر حزبي المبادرة والحزب الدستوري الحر وانكبوا على عملية تقييم أوصلت البعض الى النقد الذاتي وتجاوزها آخرون الى حد تقديم الاعتذار السياسي عن أخطاء الحقبة الماضية وخاصة حقبة الرئيس بن علي.
في فترة ما ولما تفرقت السبل بين كمال مرجان (حزب المبادرة) وفوزي اللومي (الحزب الوطني التونسي) ظهر حزب نداء تونس كفرصة امل جديدة لضمان التواجد على الساحة السياسية تحت رعاية الباجي قائد السبسي الذي لازم إصراره بانتمائه الدستوري والبورقيبي الصرف برغم منغصات اليسار الذي التصق مبكرا بمبادرة الباجي قائد السبسي منذ الاعلان عنها يوم 26 جانفي 2012. الذين هم على اتصال بالدساترة والتجمعيين الذين التحقوا فرادى بحزب نداء تونس يعرف مدى حرصهم على تجنيب البلاد التجاذب والاستقطاب الأيديولوجي وقال البعض منهم منذ تشكيل نداء تونس ان الدساترة لن يكونوا في مطلق الأحوال وقود معركة بين اليسار والإسلاميين وانهم سيكونون في منأى عن تلك المعارك ديدنهم الوحدة الوطنية والمضي قدما في الانتقال الديمقراطي الذي يتطلب رأسا المصالحة الوطنية والتعايش المشترك وتطليق كل نوايا الاستئصال والعفن الأيديولوجي الذي ما تزال بعض القوى خاصة من اليسار تستبطنها في تصريحاتها وأجندات عملها تحت الشعار المعروف منذ ستينات القرن الماضي «لا دساترة لا خوانجية».
المعركة التي خاضها مؤخراً القيادي فوزي اللومي اكثر من انها عززت مواقع الدساترة والتجمعيين داخل نداء تونس بقدر ما انها قربت بين شقيهما وسط الحديث المتواتر عن لقاء بين مرجان واللومي ومكالمات هاتفية بين اللومي وعدد من الوجوه الدستورية من ابرزها حامد القروي والهادي البكوش واحمد عياض الودرني والصادق شعبان ومنذر الزنايدي. هذا مع ما شهدته مواقف حزب النهضة على وجه الخصوص من مراجعات جذرية في خصوص الحوار الوطني وبداية حفر قبر «مشروع الإقصاء السياسي» وتواتر الحديث عن لقاءات بين قيادات من النهضة وبعض الوجوه الدستورية وقولة الغنوشي الاخيرة: «ما جزاء الإحسان الا الإحسان» في تعليقه على تصويت حزب المبادرة لفائدة حكومة العريض.
الدساترة اليوم موحدون في الرؤية والتصور وهم موحدون ايضا في مستقبلهم ، ولكنهم مشتتون على اكثر من هيكل حزبي وتنظيمي ، تتنازعهم العديد من الخيارات ومنها بالأساس:
- 1 إنجاح مسار تشكيل الكتلة الدستورية ، ولا سبيل لهذا الخيار غير التحاق الدساترة والتجمعيين الموجودين في نداء تونس بالكتلة ، وهذا امر في غاية الصعوبة لانه يفقدهم أمرين اثنين: شخصية الباجي قائد السبسي واسم «نداء تونس» الذي اصبح له وقع خاص في الحياة السياسية التونسية.
- 2 التحاق الكتلة بأحزابها السبعة وشخصياتها الاعتبارية الهامة على غرار كمال مرجان ومحمد جغام وتوفيق بن خود واحمد منصور بحزب نداء تونس، وهذا الامر يبدو أيضاً في طريق غير مفروش بالورود لانطوائه على العديد من الرهانات والتحديات لعل ابرزها مسالة الزعامة في نداء تونس وأسماء المترشحين للانتخابات القادمة خاصة بعد ان انضم نداء تونس الى تحالف الاتحاد من اجل تونس، هذا مع تواجد تيار داخل النداء يهدف الى تقريبه الى الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري.
ومن المؤكد ان التقارب بين مختلف الوجوه الدستورية الناشطة حاليا سيكون احد المداخل المهمة لسير الدساترة نحو افق واضح ومنهج دقيق يستحضر دروس الماضي ويستوعب حجم التغير الحاصل على المستوى الوطني ويحسن التفاعل والتعاطي الإيجابي مع مختلف المكونات السياسية والحزبية دونما اقصاء او تهميش.
عاد الدساترة من باب كبير ، وأثبتوا انهم قادرون على المناورة السياسية مثلما فعل ذلك مؤخراً كمال مرجان بالتصويت لفائدة حكومة علي العريض، ومن المؤكد ان الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التطورات التي لا يمكنها ان تسير في غير احد الاتجاهين المذكورين انفا والا بقي الدساترة خارج التأثير والفعل السياسي الواسع والناجع والنافذ...لننتظر.