الحاجة إلى شرعية التوافق ستظل قائمة حصول حكومة حمادي الجبالي على ثقة أغلبية أعضاء المجلس التأسيسي في انتظار تسلم أعضائها مهامهم بصفة رسمية ابتداء من يوم غد، لن يغلق باب انتقاد ومعارضة الحكومة الجديدة على مستوى برامجها وتفاعلها المستقبلي مع مختلف الحساسيات السياسية. وفي رصد لردود أفعال بعض الأحزاب من خارج الائتلاف الحكومي ومن خارج الممثلين في المجلس التأسيسي، أجمعت الآراء على انتقاد الطابع الحزبي للحكومة المؤقتة الجديدة مع مطالبتها بتقديم رسائل طمأنة مستقبلية في شكل مبادرات بفتح حوار وطني واحداث مجلس وطني يضم مختلف مكونات المشهد السياسي للتعاطي المشترك مع القضايا المستعجلة.
مطلوب مبادرات
ويعتبر في هذا السياق خليفة بن سالم أمين عام حزب تيار الغد أن تونس بحاجة اليوم إلى حكومة انقاذ وطني بالنظر لحجم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المطروحة وعليه فإن الحل السياسي يقتضي اجماعا وطنيا حول الحكومة بتشريك الأحزاب المعارضة والنقابات المهنية... وقال محدثنا إنه كان يأمل أن يتضمن بيان الحكومة مبادرة جامعة لكل الأطراف السياسية لأن صدق النوايا لا يكفي في عالم السياسة، لاسيما وأن ما جاء على لسان رئيس الجمهورية المؤقت وبعض الفاعلين في الحكومة الجديدة، أصبح يهدد بتجريم كل مظاهر المعارضة والاحتجاج وحق الاضراب. ودعا أمين عام حزب تيار الغد الحكومة لفتح حوار وطني واحداث مجلس وطني استشاري للأحزاب للنظر والتشاور في 3 ملفات أساسية واستعجالية وهي: تصفية وحسم ملف شهداء الثورة والعدالة الانتقالية بالمحاسبة ومن ثمة المصالحة والعمل على توفير مصالحة أمنية بالاضافة إلى تفعيل الوضع السياحي وتسريع نسق اقتصاد الخدمات والرفاه.
منطق الحزب الواحد
في المقابل بدا عياض اللومي ناشط سياسي وعضو سابق في حزب التآلف الجمهوري، متشائما بشأن انفتاح الحكومة الجديدة على مختلف الحساسيات السياسية قائلا أن السياسة ليس فيها هدايا ولا يتوقع مبادرات من هذا القبيل مستندا بدوره إلى تصريحات رئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الحكومة التي استشف منها منطقا خطيرا يخشى من خلاله «اعادة صناعة بن علي بلباس آخر». ويضيف عياض اللومي أن الحكومة الحالية عبرت صراحة على أنها ستعمل بمفردها ومن تلقاء نفسها في بعض المسائل وباملاءات خارجية في مسائل أخرى، وذهب حد توقع «اقدام الحكومة الجديدة تدريجيا على قمع الاعلام ووضع يدها على القضاء من خلال مجلس أعلى للقضاء معين و»بذلك هم يريدون الحكم بمنطق الحزب الواحد...»
منطق الغلبة
من جهته أشار محمد القوماني أمين علام حزب الاصلاح والتنمية إلى أن السياق الذي تم فيه تشكيل الحكومة واعلانها ونيل الثقة فيها كان سياق تجاذب سياسي داخل المجلس وخارجه على خلفية تعاطي الائتلاف الحاكم مع بقية المشهد السياسي. كما أن الرسائل التي أعطاها «الثالوث» في المشاورات وفي طريقة التصويت على القانون المنظم للسلطات وطريقة التعاطي مع تشكيل الحكومة، كانت رسائل يحركها منطق الأغلبية التي تعني الغلبة وليس البحث عن التوافق في مرحلة انتقالية وهو ما جعل المعارضة تتعامل بسلبية مع «الترويكا». وقال محمد القوماني إنه كثيرا ما رددت رموز حركة النهضة أنها ستنفتح على أطراف من خارج «الثلاثي» وهذا ما لم يحصل مما نال من مصداقية هذا الخطاب لكنه يعتبر أن الوقت مازال لترجمة النوايا الحسنة على أرض الواقع بتشريك جميع الأطراف السياسية والاجتماعية في تحديد أولويات المرحلة. وبين محدثنا أنه لا يمكن عمليا ادارة البلاد اليوم من داخل الائتلاف فقط وبمنطق الأغلبية التي تعني الغلبة، وما دامت المؤسسات الدستورية لم تستقر بعد ولم تقطع أشواطا في الخيارات المستقبلية الكبرى، تظل الحاجة إلى شرعية التوافق قائمة.