إنّ الجبهة الشعبّة هي المتسبّب الأوّل والأخير في ما تتعرّض له هذه قضية اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي من محاولات الطمس وتشتيت الحجج والبراهين والوثائق رغم كثرتها إذ «المتهم» في هذه القضيّة إلى أن يثبت خلاف ذلك- استطاع أن يبقى في الحكم بالتصرّفات العشوائيّة للجبهة الشعبّة هذه العشوائيّة التي لا تخلو منها كثرا من مواقف هذه الجبهة التي تُنعت عند كلّ التونسيّن بجبهة «لا» وينطبق عليها المثل القائل «على نفسها جنت براقش» وهي قصّة طريفة تضرب كمثل على الذي يسيء لنفسه بنفسه أو كما جاء في المثل التونسي العامي «طَمَزْ عِينُو بصُبْعُو» و بقى المتضرّر المباشر هما عائلتا الفقيدين اللتان قد تكون هذه المواقف هي التي حرمتهما من معرفة من المتسبّب في اغتيال الشهيدين إذ ظهور الحقيقة الكاملة وحده الكفيل بإخماد لوعتهم وهذا لن يكون إلّا بإقصاء النهضة من الحكم. و رغم كلّ هذا «التغفيس»الذي قامت به الجبهة الشعبيّة وإضاعة الفرص فها أنّ الظروف أبَتْ إلّا أن تصحّح موقف الجبهة الشعبّة وتنصف الشهيدين و العائلتين بإظهار الحقّ فكيف ذلك ؟ لقد تزامنتْ الندوة الصحفيّة الأخيرة التي أتت بالكثير من الجديد مع القطيعة بين النهضة والنداء وكلّنا يعلم أنّ رئيس الجمهوريّة يفتّش عن كتلة قادرة على سحب الثقة من الشاهد المحتمي بالنهضة فإذا بادرتْ الجبهة الشعبيّة بالإتحاق بكتلة النداء في نطاق توافق برلمان «فقط» فإنّ الحكومة التي ستخلف حكومة الشاهد من المحقّ أن تغادرها النهضة ومع مغادرة النهضة للحكومة ومع الوثائق الثمينة جدّا التي هي بحوزة هيئة الدفاع فإنّ الحقّ المحجوب بتأثير النهضة كما قالت هيئة الدفاع سوف يظهر ويحقّ الحقّ ويزهق الباطل وعلى الجبهة الشعبّة أن تشترط شيئا واحدا للانضمام لهذه الكتلة البرلمانيّة هو الذي طرحه» محمّد بوغلاب» وكاد يمرّ مرّ الكرام وهو بسيط جدّا ويمكن تحقيقه بمغادرة النهضة الحكم وهو «بَعْث قُطب قضائي يعيّن به قضاة محايدون «ويباشرون قضيّة الشهيدين بالوثائق المتوفّرة وسوف تظهر الحقيقة التي حجبتْ طوال هذه المدّة ويعرف الشعب التونسي خفايا اغتيال الشهيدين وهو الهدف الذي تسعى إليه هيئة الدفاع وليست النهضة هي المستهدفة كما يروّج لذلك الناطقون باسم النهضة وهذا الحلّ سيكون في نفس الوقت لصالح النهضة التي إن كانت بريئة فستظهر براءتها أي أنّ هذا الحلّ سيكون في صالح الجميع وسيكون نقطةفاصلة في هذه القضيّة التي ستؤثّر مستقبلا على الاستقرار في البلاد إذ مثل هذه القضايا لا يؤتمن معها تحسّن الوضع العام إلّا بعد أن تظهر الحقيقة اعتمادا على قضاء محايد وناجز. فعلى الجبهة الشعبيّة الإسراع باتّخاذ قرار سريع في هذا الاتّجاه ما دامت ال»ظروف السياسيّة» مواتيّة وهذا لا يخفى على قادة الجبهة وأن لا تضيع هذه الفرصة التي يصعب أن تعود إذا بقيت القضيّة تراوح مكانها إلى ما بعد انتخابات 2019 التي من المحقّق أنّ نتائجها سوف لن تكون في صالح هذه القضيّة التي لا بدّ أن يشعر كلّ تونسي أنّها قضيّة وطنيّة وليست قضيّة أي جهة أخرى. وفي الختام فإنّ هذا الموقف الشجاع والذي لا يمسّ من المبادئ التي تحرص عليها الجبهة لا يمكن اتّخاذه إلّا إذا وضعتْ عائلتا الشهيدين ثقلهما للتأثير على الجبهة لتتقارب مع الكتلة التي ستزيح حكومة الشاهد وستزال معها النهضة من الحكم بقطع النظر عن علاقة الجبهة بهذه الكتلة أي هي بمثابة المهمّة أو التضحية التي ستقوم بها . وإنّي متيقن أنّ زوجتي الشهيدين بما أبدياه من حنكة وتبصّر في معالجة هذا الموضوع سوف يدفعان نحو هذا المقترح الذي من المحتمل أن يريحهما من عبء كبير هو معرفة الحقيقة الكاملة في استشهاد بالعيد والبراهمي حتّى تتحقّق مقولة: «ما ضاع حقّ وراءه طالب» .