العنف سمة من سمات الطبيعة البشرية، وعلى مدى التاريخ نجد شواهد تدل على لجوء الإنسان إلى العنف استجابة لانفعالاته من الغضب، وتعتبر محاولة التسلط من أجل السيطرة على الآخرين المصدر الأساسي للعنف في تاريخ البشرية، سواء تسلط الفرد على الآخر، أو تسلط طبقةٍ على مجتمع، وكذلك تسلط مجتمعٍ على مجتمعٍ آخر. وللعنف صورً كثيرة نذكر منه العنف اللفظي الذي تفشى في جميع أنحاء العالم وخاصة مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ومن ظواهره السب والشتم والقذف وقد طال هذا النوع حتى الخطابات السياسية المهيجة والمحرضة على الآخرين. كما نجد العنف ا لفكري الذي يعد من أخطر أنواع العنف إذ يساهم في ظهور التطرف والإرهاب بسوء فهم النص الديني وهي ظاهرة شائعة في كل الأديان وهي تؤدي إلى عقليات صدامية تكفيرية ضيّقة تحكم على الاخر دون أن تفهمه وتستعديه دون موجب أو مبرر، وتقوّله ما لا يقول وتحمّله ما لا يحمل. ومن أبرز صور العنف الذي تعاني منه مجتمعاتنا الحالية تفشى ظاهرة العنف في العديدِ من الملاعبِ بعد كلّ مباراة حيث يأخذ فيها العنف مظاهرَ متعددة، من اعتداء بالضرب وتحطيم للمركبات و التعدي على الطرقات و الممتلكات الخاصة ويدلّ وجود ظاهرةٍ العنف على عدم استقرار المجتمع وبداية تفكّكه نتيجة ضعف الوازع الديني والابتعاد عما أمرنا الله والطريق المستقيم مما أدى لفقدان ثقافة الودِّ والتسامح، واستبدالها بثقافة العداء والتباغض والحسد، والأنانيَّة المفرطة والظلم، وأدى كذلك للشعور المتزايد بالإحباط والفشل والحرمان من العطف وضعف الثقة بالنفس. إن التشبع بالدِّين الصحيح يهذِّب سلوك الفرد، ويُبعده عن سلوك العنف والانحراف والتعصب والعدوانية، إضافة لقوة رقابة الأهل لأبنائهم ولاختياراتهم من أصحاب ومرافقين وتوجههم مع أهمية الإرشاد في المدارس لمنع العنف من المعلمين والطلاب على بعضهم البعض. وإن لوسائل الإعلام دورا بارزا في تنامي ظاهرة العنف لدى المراهقين، فالبرامج الإعلامية، وخصوصًا التلفزيونية، من حيث إنها تقدم لهم عينة من التصرفات الخاطئة، مثل العنف الذي يشاهده المراهق لمجرد التسلية والإثارة، قد ينقلب في نهاية التسلية والإثارة لواقع مؤلم بفعل التأثير السلبي القوي والفعال لوسائل الإعلام لتجسيد العنف بأنماطه السلوكية المختلفة، ولا يخفى علينا أن المراهقين لديهم القدرة على التقليد والمحاكاة لما يشاهدونه في التلفزيون، كما أنهم ينجذبون لمشاهد العنف. لقد جاء الإسلام بنبذ العنف، والتحذير منه، وبيان سوء عاقبته. كما جاء بالحثّ على لزوم الرفق، والأخذ به، والترغيب فيه. والنصوص من الكتاب والسنة حافلة بذلك إما تصريحاً، أو إشارةً، أو أمراً بلزوم الرفق، أو نهياً عن العنف، أو بياناً في فضل الرفق وذم العنف، وذلك في شتّى الشؤون سواء بالدعوة إلى الله، أو الدعوة إلى التغيير والإصلاح، أو في الأمور الخاصّة أو العامّة. قال تعالى في خطاب هارون وموسى عليهما السلام {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه 43 و 44) ولقِّن موسى عليه السلام من القول اللّيّن أحسن ما يخاطب به جبّار يقول لقومه: أنا ربُّكم الأعلى، فقال تعالى {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات 18، 19). فينبغي اتخاذ مجموعة من التدابير الهادفة إلى استئصال الشر من النفس البشرية، والتي تؤدي إلى إيقاظ الشعور الديني، والذي يعد الضابط الداخلي لدى كل فرد، لضبط سلوكه وفق الأنظمة المعمول بها، ويحول دون العدوان والعنف الذي في أساسه اعتداء على حقوق الآخرين .