تعتبر ظاهرة العنف من أقدم الظواهر الاجتماعية التي عرفتها البشرية في تاريخها، وقد شهدت هذه الظاهرة في بعض المجتمعات، وفي بعض العصور رواجا وانتشارا، وقد اكتوت بنارها الكثير من الشعوب، وخلّفت للكثير منها دمارا على مستوى الأشخاص والممتلكات، وأعاقت مستوى التنمية الاقتصادية لتلك البلدان، ولم تسلم بلادنا من شر هذه الظاهرة الخبيثة، ولم يسلم كذلك من شرورها أي قطاع من قطاعات المجتمع، ولا أي مجال من مجالات الحياة والعمل، فقد عرفتها المرأة في نطاق الحياة الأسرية وخارجها، وعانت وتعاني اليوم من اثارها السلبيّة على نفسيّتها، وعلى حياتها، وعلى حياة أطفالها، ولا تجد لها من مخرج أو معين، وقد وجدت لها كذلك انتشارا في صفوف أبنائنا التلاميذ والطلبة، وأصبحنا نقرأ بين الحين والحين في صحفنا اليوميّة ما يندى له الجبين من أعمال عنف يقترفها التلاميذ ضدّ أساتذتهم ومربّيهم، ونتأسّف لهذه الاعمال المقرفة، ونقارن بين حال أبنائنا اليوم وحال جيلنا بالأمس، ونسائل أنْفسنا لماذا كنّا نربأ بأنفسنا عن رفع أصواتنا فوق صوت معلمينا وأساتذتنا؟ فما بالك بشتمهم أو سبّهم أو الاعتداء عليهم بالعنف، ولعلّ مايقوله الباحثون الاجتماعيّون من أنّ هذه الظاهرة لها ارتباط وثيق بظاهرة عنف السّلطة الاستبدادية المنظّم الذى مورس على شعبنا من طرف المخلوع، هو رأي صحيح الى حدٍّ مَا، والذى تراكم وانتشر ليشمل الكبير، والصّغير، والمرأة، والمنظّمات الحقوقية، والسيّاسيّين أفرادا وأحزابا، وقد أفضى هذا العنف في الأخير الى قتل الكثير من السيّاسيّين، والى اغتصاب الكثير من النساء في زنزانات الداخلية، ولم ينج من شرّه الاّ القليل، وجاءت الثورة السّلمية لتسقط رأس السّلطة الفاسدة، بعد معارك دامية خاضها شعبنا ضدّ أتباع النظام السابق ومعاونيه، وانتصر فيها بعد سقوط الجرحى والشهداء في ساحات المعركة، وتشكّلت لجان الثورة وعملت على تحديد أهدافها، وعملت وتعمل على إنجازها، وقد كان لها دور فاعل ومميز -لا ينكره الا جاحد أو متحامل- في التصدّي لميليشيات بن علي المقتّلة لشعبنا، والمساهمة في اسقاط حكومة الغنوشي في تجمع القصبة 1 - والتي ساهم فيها أحمد نجيب الشابي رئيس الحزب الجمهوري كوزير للتنمية ، والسيد أحمد ابراهيم ممثلا عن حزب المسار كوزير للتعليم العالي، وقد كانت هذه الحكومة تريد الالتفاف على أهداف ثورتنا-، وفرضت كذلك على حكومة الباجي قائد السبسي خيار المرحلة الانتقالية التوافقية في القصبة 2 الذي قادنا الى انتخابات المجلس التأسيسي الشفافة والنّاجحة، وساهمت الكثير من هذه اللجان في الضّغط على حكومة الباجي قائد السّبسي لتفعيل العفو العام، وكذلك فعلت مع حكومة السيد حمادي الجبالي، وللعلم فإنّ الكثير من أعضاء هذه اللّجان هم من متضرّري العهد البائد من الحساسيّات السياسية، وقد تجمّعوا في الأخير في "جمعية رابطة حماية الثورة" لتكون لهم منظّمة جامعة، وهو حقّ من حقوقهم يقرّه لهم قانون الأحزاب والجمعيّات، ولا يحقّ لأحد أن يطالب الحكومة بحلّها الاّ في اطار القانون لأنّ القانون فوق الجميع وهو الفيصل بين الجميع، وقد ساهمت هذه اللّجان على مستوى جهاتها في انجاز الكثير من الأعمال التّنموية، وساهمت كذلك في نظافة المحيط في غياب العمل البلدي الجاد والمسؤول، وكذلك ساهمت من موقعها في حلّ العديد من مشاكل الفئات المعوزة في غياب العُمَدْ، وقد كثر في هاته الايام الحديث عن حلّها على إثر العنف المتبادل بين بعض أعضائها وبين أعضاء من الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد وصفت من طرف خصومها بميليشيات حركة النهضة، وهو كلام عار عن الصحّة ويحتاج الى أدلّة وإثباتات والردّ على العنف مُدَانٌ في نظر المنظومة الاسلامية قال الله تعالى على لسان هابيل : " لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ 0للَّهَ رَبَّ 0لْعَالَمِينَ " إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ 0لنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ 0لظَّالِمِينَ" والبادئ بالعنف أظلم، والقضاء هو الفيصل في تحديد المسؤوليات، والعنف مدان في كلّ الأحوال مهما كان مأتاه، والرفق شرعا وعقلا مطلوب ومرغب فيه فقد حثّ رسولنا صلّى الله عليه وسلّم على الرّفق (مقابل للعنف) ودعا إلى الالتزام به في شؤون حياتنا كلّها، لأنّه يُحقِّق السّلم الأهلية بين الأفراد، والجماعات، ويجمع الشّمل، ويهدي لخير الأعمال، ويوثّق عرى الأُخُوّة والمحبّة بين النَّاس، لذلك ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم في الرّفق أنّه قال: "إنّ الله رفيق يُحبّ الرّفق في الأمر كلّه" متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلاّ زانه ولا يُنْزَعُ من شيء إلاّ شانه"هذا يدلّ على أهميّة هذا الخلق، وحاجة الخلق إليه في سائر شؤونهم. إنّ الرّفق يعني لِينُ الجانب بالقول والفعل واللّطف في اختيار الأسلوب، وانتقاء الكلمات، وطريقة التعامل مع الآخرين، وترك التعنيف، والشدّة والغلظة في ذلك، والأخذ بالأسهل. والرفق عام يدخل في كل شيء تعامل الإنسان مع نفسه، ومع أهله، ومع أقاربه وأصحابه، ومع من يشاركه في مصلحة، أو جوار، وحتى مع أعدائه وخصومه، فهو شامل لكل الأحوال والشؤون.