من أكثر المواضيع التي شدّت الرأي العام المحلي خلال الفترة القليلة المنقضية موضوع هيئة الحقيقة والكرامة... هذا الموضوع طفا على السطح مجددا بعد أن حسبناه انتهى والى غير رجعة. لقد كان موضوع عودة الروح الى هيئة بن سدرين مثيرا للقلق وللانزعاج والتبرّم عند فئة هامة من التونسيين الذين ملّوا جرّاء خزعبلاتها وتبعا لغموض أهدافها ومقاصدها. إن الهدف من إنشاء الهيئات واللجان الانتقالية يقوم على مبادئ أهمها تسريع الإجراءات ومرونتها لاختصار آجال الفترة الانتقالية الدقيقة ومجاوزة المصاعب والمطبّات. لكن الذي لاحظناه في هيئة «بن سدرين» هو عكس ذلك تماما فهي تعمّق الجروح النازفة وتوسّع مجالات الأزمات ويطير حولها غبار الفتنة حيثما مرّت. وكل ملف تقدّمه تشتمّ منه روائح الانتقام والشماتة والتسييس بأساليب بائسة، بل إنها تضمّن إصدار الأحكام قبل أن تصدر وتقسّم المجتمع الى فئات بعضها مظلوم وضحية والبعض جلاّد ومتهم ليكون سؤالنا الكبير: هل ان هذه الهيئة تسلّطت حتى على دور السلطة القضائية؟ لقد مرّ إنشاؤها بفترة ساد فيها غموض كبير في نواحي ووجهات كثيرة ذلك الغموض ميّز الساحة السياسية كما طغى يومها على مناحي أخرى لتكون الإفرازات السلبية بالجملة ومنها بطبيعة الحال هذه الهيئة. إننا لما نتساءل عن طبيعة هيئة من المفترض أن تسهم في تسريع الانتقال الديمقراطي فإننا نجد الحواب خلاف ذلك تماما. فكل ظهور لرئيسة اللجنة يجلب جدلا ويحدث لغطا ويوسّع دائرة الخلاف بين أبناء الوطن الواحد الى درجة أن عضو الهيئة السابق «زهير مخلوف» قال إن هيئة بن سدرين أصبحت متعبة ومحرجة للأصدقاء قبل الخصوم!؟ ولن نتحدث عن الفساد المالي صلبها وسوء التصرّف الذي كشفه أعضاؤها المغادرون ولا عن استبداد سهام بن سدرين التي تتعامل بنرجسية بالغة وكأنها تسيّر مزرعة أو ضيعة خاصة بها، ثم وهذا الأهم أين نتائج هذه الهيئة؟ أليس من المخزي والمعيب أن يطال اتهامها قاماتنا العلمية والسياسية والتي قدمت لبلادنا الكثير؟ بمعنى أنها تريد إدخالنا في دوامة مربكة ومرعبة عنوانها إعادة كتابة التاريخ التونسي ولكن بأقلام غريبة عن واقعنا وبعقول تمتلئ حقدا وكراهية وتآمرا على الناجحين والمتميّزين بل وحتى على من يجدون التوقير في تونس والاحترام والإجلال في الخارج. وما جرى منذ أيام مع الأستاذ أحمد فريعة دليل وزيادة على ذلك. إنها هيئة تزرع السّمّ في الدّسم ولكنها لن تجن الا أشواكا وغبارا تذروه الرياح.