تونس الشروق: بعد اجراء التحوير الوزاري، وفي صورة حصوله على ثقة البرلمان، ستتجه الأنظار مستقبلا الى الأداء الحكومي وإن كان سيتحسن فعلا بعد اجراء التحوير وماهي شروط ذلك؟. بعد الجدل الذي رافق النواحي الشكلية للتحوير الوزاري ستتجه الانظار مستقبلا إلى الناحية المضمونية للتحوير أي الأهداف المرجوة منه على مختلف الأصعدة: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتنمويا. مخاوف يخشى البعض ان لا يخرج التحوير الوزاري الأخير عن دائرة الصراعات السياسية الجارية منذ أشهر والتي كشفت رغبة أغلب الأطراف السياسية في التدخل في هذا التحوير ( رغم أنه من اختصاص رئيس الحكومة) وذلك إما لضمان مشاركتها فيه او للمطالبة باقصاء احد الأطراف او لتبادل الاتهامات المختلفة ومزيد تصفية الحسابات السياسية. هذه المخاوف تتدعم أيضا بوجود رئيس الحكومة ( صاحب القرار الاول والاخير في التحوير)داخل دائرة الصراع السياسي المذكور واتهامه بامكانية استغلال هذا التحوير لتحقيق مزيد من نقاط التقدم على منافسيه... وبالتالي فان الخوف -حسب أصحاب هذا الرأي- أن لا يخرج التحوير عن منطق تصفية الحسابات السياسية أو ان يكون فقط استجابة لدعوات الاطراف السياسية لاجرائه. وهي المخاطر التي يُحذر منها المتابعون ويدعون رئيس الحكومة الى ضرورة منع حصولها حتى يكون التحوير فقط لتحقيق غايات وأهداف أسمى من الأهداف السياسية الضيقة . هدوء سياسي سياسيا، يجب أن يؤدي هذا التحوير إلى ضمان الاستقرار على الساحة السياسية خلال المدة المتبقية قبل موعد انتخابات 2019 وإيقاف نزيف الصراعات الدائرة منذ أشهر والتي سئمها التونسيون ونفروا بسببها الشأن العام وقاطعوا المشاركة السياسية وفقدوا ثقتهم في الطبقة السياسية. إذ لن تحصل الفائدة من هذا التحوير إذا كان سيفسح المجال أمام تواصل حالة الاحتقان السياسي والحزبي في البلاد. فذلك سيؤدي حتما إلى تواصل لامبالاة السياسيين بالمصلحة الوطنية والى تواصل ارباك الحكومة وتعطيل عملها والى امكانية عرقلة بعض الاطراف السياسية للاصلاحات المنتظرة، إلى غير ذلك من المخاوف المنتظرة. وهي المسؤولية الملقاة على عاتق الاعضاء الجدد (وايضا القدامى) ويتحملها بدرجة اولى ايضا رئيس الحكومة والاحزاب المشاركة في الحكومة وذلك من خلال ابعاد الوزراء وكتاب الدولة عن التجاذبات السياسية وتركهم يؤدون مهامهم بعيدا عن الضغوطات السياسية والحزبية. نجاعة اقتصادية وتنموية أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، فيجب ان يكون التحوير قادرا فعلا على احداث «رجة» إيجابية تُغير الواقع ولو نسبيا. وهو ما يتطلب من الأعضاء الجدد بذل كل الجهود من اجل تطوير العمل الاقتصادي والتنموي والاجتماعي في البلاد وتطوير الخدمات العمومية وانقاذ المالية العمومية وهي المهمة الملقاة على عاتق الوزراء الجدد خاصة في الوزارات المعنية بالشأن التنموي والاجتماعي على غرار التجهيز والصحة والتجارة الداخلية والشؤون المحلية والبيئة والسياحة والوظيفة العمومية والتشغيل والاقتصاد التضامني والاجتماعي ... على أرض الواقع أما الشرط الآخر لانجاح التحوير واعطائه أوفر الحظوظ لتحقيق الانتظارات منه فيتعلق أساسا بالجانب العملي. إذ لا يكفي في رأي المختصين تغيير وزير بآخر ( حتى ان كان أكثر منه كفاءة واختصاصا واطلاعا)، بل يجب ان تكون للتحوير غاية عملية وواقعية وهي اتمام تنفيذ الاصلاحات والشروع في تنفيذ الاصلاحات المعطلة بكل شجاعة وجرأة. وهذا يتطلب وجود رؤية شاملة للعمل الحكومي وفق برنامج عمل واضح وقابل للتحقيق بصفة مستعجلة. وفي هذا الإطار يطرح المختصون امكانية العودة الى ما تم التوافق عليه في وثيقة قرطاج 2 ( 63 نقطة) بحكم ما تحمله من توجهات اصلاحية كبرى وهامة .. أما إذا تواصل العمل بالأفكار القديمة نفسها وبالمنوال التنموي والاقتصادي الجاري تطبيقه اليوم ودون التحلي بالجرأة والشجاعة ودون تطبيق صارم للقانون، فلن يكون التحوير الوزاري سوى اجراء شكلي ولن يُحدث الرجة المنتظرة منه اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا ولن يلبي طموحات وحاجيات التونسيين، وسيسمح بتواصل الوضع على ما هو عليه خاصة إذا تواصلت معه الصراعات السياسية.