رائف بن حميدة اعتبارا للتدهور المتزايد في الأوضاع الاقتصادية والسياسية وخاصة الأمنية ..تذمر وإستياء وشكوك وتقولات ومنها: وجود حكومة ظلّ ومراكز نفوذ خفيّة.. بوليس سياسي وميليشيّات.. استمرار الإعلام الموجه بما فيه نشرات الأخبار. الخ.. والأكيد هو أن الحكومة الحالية تواكبت مع اكبر الكوارث ناهيك عن استشراء الفوضى والعدوانية والإشاعات والتخوين..وهذا طبعا يُعزى في جانب كبير منه الى التهاون في محاسبة الجناة ورموز الفساد! وإعتبارا لكل هذا فإننا ننبه الى أن الإنتخابات وخاصة ما بعد الانتخابات لن تكون إلاّ إنفلاتا نهائيا يجعل الدكتاتورية أملا وطوق نجاة منشود!. إننا مهما تفاءلنا الآن بالإنتخابات وبشفافيتها فإن نتائجها يوم الصدور لن يُنظر إليها إلاّ باعتبارها مفارقة ظالمة متجنيّة،هكذا هي دائما طبيعة المراهنة لا تثير إلاّ التشنج «بين اللاعبين»..! أمّا المواطن الكريم المتعثرة خطواته من ثقل الأعباء المعيشيّة وفي مسالك زلقة من الفوضى واليأس فقد نأى بنفسه عن اللعبة السياسيّة وعن أحزابها التي فاق عددها ضعفي عدد الولايات (التي لا يعرفها بدقة !) فقد أدرك أن كل ما يراد منه هو فقط أن «يبصم» ليسلّم إرادته لمن سيظفر بها ثم يستمرّ هو في عزلته ممنوعٌ من الكلام ممنوعٌ من العمل ممنوعٌ من الأمل.. وإعتبارا لكل هذا فإن اجتناب «المراهنة» (أي الإنتخابات البرلمانية) هو الحل الأمثل !! إن الحكمة تقتضي الاكتفاء بحل وفاقي حقيقي،غير منقوص ولا مزيف ، وهذا رفقا بالوطن وبالشعب، فلا يلدغ مؤمن من جحر عدة مرات! نؤكد على أنه من الأفضل تشكيل افراد البرلمان عبر التزكية الشعبية المباشرة!..وإذا اردنا التوسع في هذه الفكرة سنقول:يكون البرلمان مشتركا بالتساوي بين الأطياف الثلاثة: الأحزاب والمجتمع المدني والخبراء المستقلين..( فالتزكية الشعبية تكون مقصورة فقط على تحديد طيف الأحزاب ثم يقوم هذا الطيف بتحديد طيف المجتمع المدني ثم يشتركان معا في اختيار الخبراء)..ومن البديهي البرلمان بهذا «التصوّر الطوباوي» سيكون أكثر كفاءة وحتى أكثر ديمقراطية نظرا لتشكيلته المتنوعة والمتعادلة دون تغوّل..إننّا ندعو جميع أفراد الشعب التونسي،وعلى رأسهم رؤساء الأحزاب والمنظمات والجمعيات، إلى دراسة هذا المقترح .أما إضاعة الوقت في الجدال والتجاذبات فلا تضيف سوى المزيد من الضحايا والإفلاس والكوارث.. اضافات 1 نظرا لكثرة الأحزاب الفاقدة للشعبية فلا يُقبل طبعا إلا الحزب الذي سيظهر بقائمة لعدد من المواطنين الذين قدموا له تزكيتهم ( مثلا :مئة مزكّي من كل ولاية او حتى من نصف الولايات..) وربما نحتاج لوضع «مواصفات» للشخص الذي تقبل تزكيته ،كأن يستظهر بسابقية إنتمائه الفعلي الى التيار او الحزب الذي قدم له التزكية ( وردعًا لجريمة شراء الذمم والتلاعب والإستهتار يجب لا حقا ان يخضع كل من قدّم تزكية للمساءلة والبحث ليتحمل تبعات المغالطة لو وُجدت كالتزوير أو الرشوة او حتى مجرد تقديم تزكية بغير دراية..). 2 تحسّبا للذين ربما يخططون لمواصلة تكريس «التغول»(وهو البؤرة الرئيسية الجوهرية التي نكبت البلاد ، فقد افسد المناخ السياسي بأن جعل البعض يتعالى على البعض بمزاعم – صفر فاصل- في تنكّ تام لروح هيئة 18 اكتوبر.. !) إذن يجب ان تكون المقاعد المخصصة للطيف السياسي مقسمة بالتساوي بين التيارات الأساسية الأربعة : التيار الإشتراكي والتيار والليبرالي وتيار المحافظين- بمعنى الإسلاميين- وتيار القوميين( وهذه التيارت هي تقريبا نفسها بجميع بلدان العالم!) ولكن بالنسبة لبلادنا تونس يجب اضافة تيار خامس خاص بالذين ينتمون الى التيار الدستوري،وهذا اعتبارًا لرمزيته وأيضا لتواجده الفعلي الآن بالبلاد، فلا يعقل تهميشه .. ..وكحوصلة :لنفترض يكون العدد المخصص لكل طيف سياسي عشرة مقاعد فهذا يعني ان العدد الجملي لمقاعد البرلمان= 150 (3.5.10 = 150)... 3 تجنبا للنّزاعات وإضاعة الوقت داخل البرلمان من الضروري أن ينصّ القانون الداخلي على حقّ الأغلبية في فصل كل عضو معرقل.ونُلفت الانتباه إلى أن هذا الإجراء ،الضروري لسير المداولات، لا يمكن اتخاذه ضد أعضاء وصلوا بالانتخابات..إن البلاد اليوم صارت في اشد الحاجة الى الحزم والصرامة، ولكن طبعا «الصرامة» لا تستطيعها إلا السلطة الواثقة من الإجماع الشعبي بعيدا عن الفئوية، وهذا أصلا غاية المقترح!! 4 في كل مركز ولاية ندعو إلى بعث مكتب مقترحات مهيكل لإستقبال الملاحظات والمقترحات والحلول بشكل كتابي لمعالجة القضايا المحلية ( بحسب ضوابط منها : الاختصار ، الوضوح ، تسجيل الهوية ..مع ضمان الردّ عليها خلال مدّة معلومة ..)فالتوازن في توزيع التنمية بين الجهات يستحيل بدون توزيع متوازن للسلطة، لأن من مشمولات الديمقراطية الرشيدة هي مشاركة المواطنين في معالجة أوضاعهم التي هم بها أدرى، قال تعالى [وشاوِرهم في الأمر] ..نؤكّد هنا على أن لهذه المكاتب فاعليّة تتجاوز بيروقراطية ورتابة مختلف المجالس والجماعات المحلية.. 5 لا يمكن أن يستتب الأمن طالما يوجد عاطلون من أبناء الطبقة الشعبية في احتياجات يومية ملحّة ومزمنة. ولذا ننبه إلى ضرورة منحة بطالة مهما كانت رمزية، دون تفريق بين من لهم ومن ليست لهم شهائد، فلا وجود لمفاضلة في الكرامة والحياة. ويجدر التذكير هنا بأن المخلوع ما كان ليقدّم المنح لأصحاب الشهائد إلا تحسبا من قدرتهم على فضحه وكشفه هو وبطانته ، أما بقية أبناء الشعب فقد أعَدَّ لهم القمع والسجون. 6 إلى أن يستتب الأمن ويسترد الاقتصاد عافيته من الضروري جدا التعليق المرحلي لحق الإضراب .وعموما البلاد اليوم صارت تحاج نوعا من «سياسة التقشف». ختاما: لقد استطاع الشعب التونسي، بفعل الإرادة الموحدة والحماس الثوري النّقي، أن يتقدّم بمفرده دون إملاءات خارجيّة أو حتّى داخليّة ليُسقط الديكتاتوريّة وليضع في فترة وجيزة القاعدة الأساسيّة الأهم لثورته الوطنيّة الديمقراطية، ثورة أبهرت العالم فوقف لها الكبراء والحكماء تقديرا واحتراما ! لكنه الآن، وبكلّ أسف وقد خارت قواه بعد أن وقع تفكيكه أحزابا متصارعة، يتوقّف حائرا مرتبكا في مفترق طرقات ضبابية أكدت الأحداث ومازالت تؤكّد أنّه لا خلاص منها ومن تبعاتها إلا بالوفاق الوطني. ملاحظة: هذا المقال في الحقيقة قديم ،فقد كتبته منذ7 سنوات ( راجع: الشروق- لأجل الوفاق الوطني- 19 سبتمبر 2011) أي قبل انتخابات اكتوبر بأكثر من شهر!..ومن الأكيد «النخبة» نعتته حينها ب«السذاجة والطوباوية» وب«الخروج عن «النظُم السياسية المتعارف عليها»..وإذا كان رأي النخبة ربما كان يؤخذ به منذ 7 سنوات، فماذا الآن وقد خربوا البلاد وانهكوا العباد بالتوافقات المغشوشة وبالوثائق الفاشلة وبالحكومات الفاشلة وبالتطبّب المتكرر جراحة فوق جراحة فوق جراحة؟؟؟ أليس هذا تصديقا للزعيم بورقيبة رحمه الله وغفر له - لا خوف على البلاد إلا من اولادها، وكان يعني النخبة-» ؟؟...وهل أصلا الشعب التونسي حين عزم على الثورة إعتمد «إنتخابات» أو استشار النخبة «؟؟( او صندوق النقد الدولي أوأي دائرة من دوائر الوصاية والإستعمار وأتباعها وذيولها ؟؟؟) لننظر الآن الى الكوارث الإقتصادية والأمنية التي انجرّت عن النماذج المستوردة وعن «الإستئناس الببغائي بتجارب الشعوب « حيث صار استقلال البلاد مهددا والشعب غير واثق من بلاده يخامره الفرار كراكب في سفينة موشكة على الغرق!...الآن دون مبالغة اكثر المواطنين وحتى بعض النواب بالبرلمان هم بين منتظرٍ ل «البيان الأول» وبين من يتحسر ندما على الثورة ويتمنى عودة بن علي،حتى ومعه عصابته !.. أما الذين يعزون تردي الأوضاع الى التخلي عن «النظام الرئاسي» ويدعون الى تنقيح الدستور فإنما هم مجانبون للصواب كالصياد «الأحول» الذي يترك الهدف ويصوب الى ظله.فهم على الأٌقل تناسوا ان هذا النظام المزعوم ما كان له أن «ينجح» لولا العصا الغليظة وهي الآن قد ذهبت بلا رجعة.فاليوم وبكل تأكيد «العصا الغليظة» الأيادي المرتعشة لا تقدر على الإمساك بها ،أما من يجازف فهومغفل مغرور لا يدرك حجمه الذي لم يمكنه إلا من مجرد ربع او ثمن الأصوات الانتخابية( هذا ناهيك عن امواج الإطرابات التي لا مناص منها نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية التي ستستمر، تبعا للمديونية، سنوات طويلة) ..إنها الدنكشوتية المتجددة !! ختاما : إن كل من يؤسفه وضعنا التونسي،ووضعنا كعرب وكمسلمين، لا يمكنه إلا أن يستذكر صراعات وتطاحن العرب في الجاهلية ،وفي الجاهلية المتجددة.. [ لوْ أنفقْتَ ما في الأرضِ جميعًا ما ألّفتَ بيْن قلوبِهِم ولكنَّ اللّهَ ألّفَ بينَهم، إنّه عزيزٌ حَكيمٌ].