تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنضع النقاط على الحروف!..
متابعة للجدل الدائر حول شروط الترشح لرئاسيات 2009:
نشر في الصباح يوم 01 - 05 - 2008

قال أحد كبار خبراء القانون الدستوري، الفرنسي جورج فيدال: "هناك أمران مؤكّدان: الديمقراطية لا تعيش بدون أحزاب منظّمة، لكن يمكن لها أن تموت بسبب تلك الأحزاب."
"Deux faits sont certains: une démocratie ne peut vivre sans partis organisés, elle peut mourir du fait des partis".
تذكّرت هذه المقولة وأنا أتابع الجدل السياسي والقانوني الدائر حول مشروع تعديل الفصل 40 من الدستور المتعلق بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009.
مجلس النواب تعهد بالنظر في ذلك المشروع، في قراءة أولى، وجل الملاحظين لمستجدات الساحة السياسية في تونس نوّهوا بثراء النقاش الذي جد في رحاب المجلس وجرأته وبالشجاعة السياسية التي اتسمت بها مداخلات بعض نواب المعارضة بل تفاجأ الكثيرون بأن أكثر المواقف راديكالية في نقد ورفض مشروع التعديل الدستوري صدرت عن نواب منتمين إلى أحزاب يصنفها خصومها ضمن أحزاب "الموالاة"!..
والمؤكد أن حيوية تلك النقاشات كانت صدى للحراك السياسي الذي تشهده البلاد حول استحقاقات المرحلة والذي نلمس مؤشراته البارزة في أداء إعلامنا الوطني خصوصا منه المستقل والمعارض والذي اتسم بدرجة متقدمة من حرية التعبير والجرأة في تناول قضايا الشأن السياسي في بلادنا.
المواقف المنتقدة لمشروع تعديل الفصل 40 من الدستور والتي اعترضت عليه استندت على القراءة التالية:
1- ان القاعدة العامة المنصوص عليها بذلك الفصل وضعت شرطا تعجيزيا يوجب على المترشح للانتخابات الرئاسية تزكيته من طرف 30 نائبا أو رئيس مجلس بلدي وهو شرط يكرّس "هيمنة" الحزب الحاكم لكونه الوحيد القادر على الاستجابة لذلك الشرط وان اضطرار الحكم إلى إدخال أحكام استثنائية على ذلك الفصل للمرة الثالثة (رئاسيات 1999 - 2004 و2009) جعلت منه "فصلا مهجورا غير قابل للتطبيق".
2- ان التعديل المقترح هو "استثناء من الدستور وغير دستوري ولا يصح دستوريا تقديمه في صورة قانون دستوري" ويضيف أصحاب هذا الرأي قائلين أن "الاستثناء يعني أن ثمة شيء غير عادي يستدعي الاستثناء وهذا معناه إقرار بوجود خلل ما في النص الدستوري وفي القانون الانتخابي" بل ذهبت صحيفة الموقف الناطقة بلسان الحزب الديمقراطي التقدمي في افتتاحيتها للعدد الصادر بتاريخ 25 أفريل 2008 تحت عنوان "هل يستقر الدستور يوما": "لجأت السلطة إلى التعديلات التالفة (jetable) لهذا الفصل حتى تتمكّن من إفراغ المنافسة على منصب الرئاسة من كلّ مضمون عبر الإقصاء المنهجي لكل الترشحات الجدّية".
ومع احترامنا لهذه المواقف التي تندرج ضمن قاعدة الرأي والرأي الآخر والتي لا تستقيم بدونها أية حياة ديمقراطية، فإنها تتسم في تقديرنا بدرجة عالية من الانفعال والقفز على حقائق التاريخ والواقع وبعض تلك المواقف تدخل في خانة "الفرقعة الإعلامية" التي لا علاقة لها بما تمليه أية قراءة للدستور التونسي في باب شروط الترشح للانتخابات الرئاسية من ضرورة الالتزام بالموضوعية والجدية والأمانة الأخلاقية.
فإذا كان البعض يعتبر ذاكرة الشعوب قصيرة فإن ذلك أمر يصعب قبوله من طرف النخب السياسية المدركة للسياق التاريخي الذي شهده دستور الجمهورية التونسية الصادر في غرة جوان 1959.
فكيف يمكن اعتبار مشروع تعديل الفصل 40 من الدستور والتعديلات المدخلة عليه سابقا تفقد الدستور "علويته وقداسته وديمومته التي هي خاصيات الدستور"؟
الدستور هو فعلا القانون الأساسي للدولة المنظم لمؤسساتها والذي يكتسب قوته ونفوذه من علويته على سائر القوانين وهو المجسم لإرادة الأمة في خياراتها وتوجهاتها الكبرى التي عبر عنها واضع ذلك الدستور المجلس القومي التأسيسي - وتلك العلويّة التي تكتسي نوعا من "القداسة" عند بعض رجال القانون الدستوري هي التي جعلت من جلّ الدساتير في الدول المتقدمة تشترط إجراءات استثنائية لكل تنقيح أو تعديل لبنودها ومنها الدستور التونسي الذي يشترط للمصادقة على التعديل أو التنقيح المقترح موافقة مجلس النواب عليه في قراءتين يفصل بينهما حيّز زمني - لمزيد التأمل والتروّي - لا يقلّ عن الثلاثة أشهر.
إلا أن الحرص على علوية وقداسة وديمومة الدستور لا تجعل من هذا الأخير "قرآنا منزّلا" وإلا تحوّل إلى نص محنط وجامد يحفظ في المكتبات.
فلنأخذ مثلا التجربة الفرنسية القريبة منا فإن هذه الدولة ومنذ الثورة البرجوازية لسنة 1789 شهدت دساتير متتالية واكبت المنعطفات التاريخية التي مر بها النظام السياسي في ذلك البلد والذي لم يعرف الاستقرار الدستوري إلا بعد خمس جمهوريات متعاقبة ومن هنا جاءت تسمية دستورها الحالي ب"دستور الجمهورية الخامسة".
ثم ان الدستور باعتباره الأداة القانونية العليا للدولة، المدعوة إلى إحداث وصنع التغييرات على مستوى سير مؤسسات الدولة ووظيفتها، استجابة لحاجيات وضرورات الواقع السياسي هي التي دفعت بالرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي إلى إنشاء لجنة تفكير لتقييم سير المؤسسات الدستورية ترأسها الوزير الأول السابق أدوارد بلادير والتي توصلت إلى مقترحات وتوصيات ستكون منطلقا لتعديلات واسعة على الدستور الفرنسي.
ثم ان دولة أخرى عريقة في الديمقراطية مثل بريطانيا ليس لها أصلا دستور مكتوب بل ان نظامها الدستوري مؤسس على قواعد تحتكم للتقاليد (Droit coutumier).
وفي هذا السياق فإن الدستور التونسي الذي وقع سنّه في غرة جوان 1959 استجاب لمقتضيات مرحلة تاريخية وهي مرحلة التأسيس للدولة المستقلة الحديثة، دولة قوية تفرّغت "للجهاد الأكبر" ضد التخلف الشامل الموروث من الاستعمار تحت شعار "وحدة قومية صمّاء" لا تحتمل أي اختلاف في الرأي وكرّست على امتداد ثلاث عقود ونصف نظام الحزب الواحد والزعيم الأوحد الذي كان المرشح الوحيد للانتخابات الرئاسية وهي انتخابات كانت أقرب للمبايعة (plébiscite) وهذه الوحدانية تطورت إلى أن بلغت ذروتها سنة 1975 عندما وقع تكريس الرئاسة مدى الحياة صلب الفصل 40 من الدستور لفائدة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وتعطّل العمل بتلك الانتخابات - رغم طابعها الشكلي - وهو ما جعل بعض رجال القانون الدستوري يصفون تونس في تلك المرحلة ب "الجمهورية الملكية" (La république monarchique) ولم نسمع بأي صوت ارتفع في ذلك الوقت للاحتجاج على التعديل الدستوري الذي كرس الرئاسة مدى الحياة والذي مثل انتكاسة كبرى لنظامنا الجمهوري لكونه صادر السيادة الشعبية التي هي جوهر ذلك النظام.
وان التغيير الذي أقدم عليه الرئيس بن علي في السابع من نوفمبر 1987 سارع بتصويب المسار بفضل المبادرة الدستورية التاريخية التي تقدم بها أشهرا قليلة بعد تحمله لأعباء الحكم وهي إلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية معيدا بذلك الاعتبار لسيادة الشعب الذي استرجع صلاحياته في اختيار رئيسه.
وان تغيير السابع من نوفمبر الذي أحدث لحظة تاريخية فارقة في انسجام الدولة مع المجتمع وهو ما أجمعت عليه حينها كل القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كان عليه مواجهة إرث ثقيل لمرحلة تاريخية استنفذت أغراضها وهي مرحلة نظام الحزب الواحد للانتقال إلى مرحلة النظام التعددي وارتفعت حينها أصوات تنادي بالتأسيس لجمهورية ثانية ودستور جديد إلا أن القيادة الجديدة اختارت - وأثبتت الأحداث صواب ذلك الخيار - التغيير مع الاستمرارية (le changement dans la continuité) وكانت أداة ذلك التغيير الدستور عبر إدخال تعديلات متعاقبة عليه فرضها الواقع الجديد وكان أبرزها الإصلاح الدستوري الجوهري الصادر في غرة جوان 2002 وهو الإصلاح الذي كرّس مفردات وتوجهات غير مسبوقة جعلت من الخيار الديمقراطي التعددي خيارا استراتيجيا لا رجوع فيه وقطع مع اللون السياسي الواحد الذي كان مهيمنا على مؤسسات الدولة بدءا بالمؤسسة التشريعية.
وانخرطت تونس على مستوى العالم العربي في النادي الضيق للجمهوريات التي تطرح منصب الرئاسة على المنافسة السياسية وذلك بتنظيم انتخابات رئاسية تعددية في محطتي 1999 و2004 ولولا الأحكام الاستثنائية التي أدخلت على الفصل 40 من الدستور حينها لما تيسّر تنظيم انتخابات رئاسية وفرت للناخب في تونس حرية الاختيار بين أكثر من مترشح واحد وتقف وراء تلك التعديلات الاستثنائية إرادة سياسية قوية للرئيس بن علي، لا يمكن أن يشكك فيها إلا جاحد، إرادة جعلت من مؤسسة الرئاسة في نظامنا الجمهوري قوة الدفع الرئيسية نحو إرساء تقاليد ديمقراطية عبر مسار تاريخي يؤسس لثقافة جديدة لدى المواطن، ثقافة الاختيار بين برامج ورؤى ووجوه مختلفة - والديمقراطية قبل أن تكون دساتير وقوانين مهما بلغت تحرريتها وتقدميتها هي أولا وأخيرا قضية تقاليد وثقافات وعقليات في ظل موروث ثقافي وتاريخي محكوم بالاستبداد والوحدانية على امتداد عصور الانحطاط التي شهدها عالمنا العربي والإسلامي الذي نحن جزء منه.
وفي هذا السياق فإن القول بأن شرط التزكية الذي أوجبته القاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل 40 من الدستور هو شرط تعجيزي غير قابل للتطبيق ويكرّس "هيمنة الحزب الحاكم" وهو ما يفسّر اللجوء إلى تعديله بصفة استثنائية وللمرة الثالثة بمناسبة رئاسيات سنة 2009 هو قول يتعمد المغالطة وتشويه الحقائق وهو ورقة التوت التي تتخفّى وراءها بعض رموز المعارضة للتغطية على عجزها وعزلتها.
فشرط التزكية أو "التقديم" (حسب عبارة الدستور) لكل مترشح للانتخابات الرئاسية من قبل 30 منتخبا من بين النواب أو رؤساء البلديات ليس بدعة أتى بها الدستور التونسي بل سبقته فيها أغلب دساتير العالم بما فيها الدول القريبة منا تاريخيا وجغرافيا والتي وضعت سقفا أعلى بكثير من حيث عدد المزكّين.
ففي الجزائر المجاورة تكون التزكية من طرف 600 منتخب (بفتح الخاء) أو 75.000 (خمسة وسبعون ألفا) ناخبا مرسما بالقائمات الانتخابية وفي الولايات المتحدة الأمريكية وإضافة إلى شرط تزكية الحزب الذي ينتمي إليه المترشح للانتخابات الرئاسية فإن هذا الأخير لا بد من تزكيته بواسطة عريضة ممضاة من طرف 1% من الناخبين في ولاية مثل فلوريدا - أما في فرنسا فإن التزكية ضرورية من طرف عدد من المنتخبين (بفتح الخاء) ينتمون إلى 30 مقاطعة (département) والحصول على 500 إمضاء تزكية وكلنا تابعنا الصعوبات التي لقيها بعض المترشحين في جمع تلك الإمضاءات خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بفرنسا - وفي بلد مثل فنلندا فإن الترشح للرئاسة يقتضي التزكية من حزب برلماني وجمع 20.000 إمضاء من الناخبين المرسمين.
وبالتالي فإن جلّ دساتير العالم في النظم الجمهورية الديمقراطية أحاطت حق الترشح للرئاسة بشروط ومحاذير تلتقي حول ضرورة توفر حدّ أدنى من الشرعية والتمثيلية في المترشح بالنظر إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها منصب الرئاسة باعتباره محور النظام الجمهوري الذي يسطّر الخيارات الكبرى للبلاد. وشرط التزكية ذلك يرمي في نفس الوقت إلى حماية الناخبين من الترشحات "الرمزية" و"الفلكلورية" التي تندرج أكثر ضمن ما يسمى ب"الشو بيز" (Show biz) السياسي.
وان المتتبع للشأن السياسي في تونس يقف أمام مفارقة: كيف يمكن اعتبار شرط التزكية الذي اقتضاه الفصل 40 من الدستور التونسي تعجيزيا في حين أن المعارضة تمتلك في البرلمان 37 مقعدا وكان بإمكان نوّابها تزكية مترشح وفاقي أو أكثر من مترشح باعتبار أن ذلك الفصل لا يمنع النائب من تزكية أكثر من مترشح... الجميع يعلم وأن الانقسامات والنزعات الزعامتية التي تنخر جسم أغلب أحزاب المعارضة حالت دون ذلك لكن هذا القصور هل تتحمل مسؤوليته السلطة؟... هل أصبح الدستور شماعة، نلقي عليها اللوم للتغطية على حالة العجز السياسي التي تشكو منها بعض أطراف المعارضة؟! هل كنا في حاجة أصلا إلى أحكام استثنائية لشرط التزكية في رئاسيات 1999 و2004 والرئاسيات القادمة في سنة 2009!... في حين أن ذلك الشرط متوفر للأحزاب الممثلة في البرلمان... ثم والأغرب من ذلك هل تدرك الأصوات التي ارتفعت لانتقاد مشروع التعديل المقترح للفصل 40 من الدستور ان انتقادها ذلك يصبّ في اتجاه تأبيد حالة العجز تلك والرجوع بعجلة التاريخ إلى الوراء، لزمن الحزب الواحد والمترشح الواحد وهل نسي هؤلاء المنتقدون للأحكام الاستثنائية المعروضة لذلك الفصل أن وجودهم في البرلمان يستمدونه من أحكام استثنائية أدخلت على المجلّة الانتخابية مكنت المعارضة من حصة من المقاعد لا تقل عن ال20% مهما كان عدد الأصوات المتحصل عليها في الانتخابات العامة وهي خاصية ينفرد بها القانون الانتخابي التونسي في العالم.
ان مشروع التعديل المقترح على الفصل 40 من الدستور والذي أجازه المجلس الدستوري جاء منسجما نصا وروحا مع القاعدة العامة المنصوص عليها بذلك الفصل ضرورة أنه يسّر شروط الترشح للانتخابات الرئاسية وأعفى رؤساء الأحزاب السياسية من شرط التزكية مع الحرص على أن تتوفر لرئيس الحزب أو مسؤوله الأول شروطا دنيا من الشرعية والخبرة وهي أن يكون منتخبا من قاعدة ذلك الحزب ومباشرا للمسؤولية لمدة لا تقل عن السنتين عند تقديم مطلب الترشح.
وان مشروع التعديل ذلك عندما أعفى رؤساء الأحزاب السياسية دون سواهم من شرط التزكية لا يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي لتلك الأحزاب مثلما ذهب إليه البعض ذلك أن المنافسة في الرئاسيات التي تشهدها جل الدول الديمقراطية تدور بين قادة الأحزاب وان المعركة الانتخابية يستقطبها حزبان كبيران، لا مجال فيها للترشحات المستقلة والهامشية باعتبار أن الحياة السياسية تنظمها وتؤطرها الأحزاب في تلك الدول وهذا المعطى استوعبه وأقرّه الدستور التونسي في تنقيح غرة جوان 2002.
والمؤسف حقا أن مواقف بعض فصائل المعارضة في بلادنا والمسماة بالمعارضة "الاحتجاجية" أو "الراديكالية" من ذلك المشروع اتسمت بالتشنج والانفعالية والسلبية وإلا كيف يمكن نعت مشروع التعديل الدستوري بالإقصاء والانتقائية في حين أنه ترجم عن إرادة سياسية قوية عبر عنها الرئيس بن علي في خطاب ذكرى عيد الاستقلال في اتجاه دفع المسار الديمقراطي نحو أفق جديد فتح مجال المشاركة والمنافسة السياسية للأحزاب الغير ممثلة في البرلمان وخصوصا الحزب الذي يعتبر نفسه "الأكثر استقلالية ونقدا لسياسات السلطة" وهي فرصة تاريخية أهدرها هذا الحزب، فرصة أتاحها له التنقيح الدستوري بحق ترشيح أمينته العامة للتقدم لرئاسيات 2009 وطرح برنامجها ومقترحاتها أمام الناخبين.... لكن يبدو وأن رياح ذلك الحزب تجري بما لا تشتهيه الأجندا الخاصة بالمؤسس والأمين العام السابق!...
والمؤكد ان الديمقراطية لا يمكن اختزالها في آلية صندوق الاقتراع لأن تلك الآلية هي تتويج لمسار سياسي وتراكمات تاريخية في الممارسة الديمقراطية.
والمؤكد أيضا أن تونس في طور تاريخي هو طور البناء الديمقراطي الذي يفرض على كل القوى السياسية في البلاد الارتقاء إلى مستوى رهانات هذه المرحلة بتقديم إضافاتها وبرامجها ومقترحاتها والتفاعل الإيجابي مع الخيارات الحداثية والتقدمية التي يجسدها المشروع المجتمعي للرئيس بن علي - والكل يدرك - الخصوم قبل الأصدقاء - وأن بن علي هو رجل المرحلة بدون منازع وان المنجز الذي حققه لتونس على جميع الأصعدة والذي يلمسه الشعب التونسي قبل أن تقرّ به المؤسسات الدولية تجعل منه البديل الوحيد القادر على الانتقال بتونس إلى مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.