اعتبارا للتدهور المتزايد في الأوضاع الإقتصادية و السياسية والأمنية وماترتّب من تذمر وإستياء و شكوك وتقولات بوجود حكومة ظلّ ومراكز نفوذ وبوليس سياسي وميليشيّات واستمرار الإعلام الموجه بما فيه نشرات الأخبار.الخ..وطبعا هذا يُعزى في جانبه الأكبر الى التهاون في محاسبة الجناة ورموز الفساد!..فإعتبارا لهذا الوضع فإن الإنتخابات ،وخاصة ما بعد الانتخابات، لن تكون إلاّ إنفلاتا نهائيا يجعل عودة الديكتاتورية طوق نجاة وأملا منشودا.ومهما تفائلنا الآن بشفافية الإنتخابات فنتائجها يوم الصدور لن ينظر إليها المهزومون إلاّ باعتبارها "مفارقة ظالمة متجنيّة"هكذا هي دائما طبيعة المراهنة لا تثير غير تشنج "اللاعبين".. أمّا المواطن المتعثرة خطواته من ثقل الأعباء المعيشيّة وفي مسالك زلقة من الفوضى فقد نأى بنفسه عن اللعبة السياسيّة وعن أحزابها التي فاق عددها ضعفي عدد الولايات (التي لا يعرفها بدقة !) فهوقد أدرك - وخاصة الشباب- أن كل ما يراد منه هو فقط أن "يبصم" ليسلّم إرادته لمن يظفر بها، ويستمرّ هو في عزلته ممنوع من الكلام ممنوع من العمل ممنوع الأمل.. وفي إعتقادي الحل الأمثل يكون بإجتناب الإنتخابات والإكتفاء بحل وفاقي حقيقي غير منقوص ولا مزيف رفقا بالوطن وبالشعب،وأسهل الحلول وأسلمها هي المساواة التامة في التمثيل النيابي بين مختلف التيارات السياسية!!!(وهذا يستوجب كمرحلة أساسية أولى تصريح كل حزب بالتيار السياسي الذي يتموضع فيه،فلا يسمح له أبدا بالحياد عنه!) ثم ونظرا لكثرة الأحزاب الفاقدة للشعبية فآلية قبول الحزب بالبرلمان يمكن ان تتم بالتزكية الشعبية المباشرة التي تؤكد جوده الفعلي من عدمه، فلا يُقبل كنائب بالبرلمان إلا الذي يستظهربقائمة رسمية بعدد من المواطنين المزكين له بشكل شخصي مباشر(100 مواطن مثلا..لكن من كل ولاية!..) وهنا لا تفوتنا الإشارة الى وجود ثغرة يمكن ان يستغلها المصرّون على استمرار"التغول"،فمن الممكن أن يبلّغوا تعليمات الى قواعدهم الإنتخابية ليوزّعوا تزكياتهم على احزاب محددة تكون مضمونة الولاء، وبهذا يستولون على البرلمان بنسخ عديدة جدا لكن لنفس التيار!..(((وللتذكير التغول هو بؤرة النكبات وأم البلاوي! فهوالذي افسد المناخ السياسي بأن جعل البعض يتعالى على البعض بمزاعم – صفر فاصل- في تنكّر معيب جدا لروح هيئة18 اكتوبر!..فتحسبا لهذ التحيّل المتوقّع يجب كما ذكرنا تخصيح عدد موحّد وثابت من المقاعد الممكنة كحد اقصى لأي تيار من التيارت السياسية،عشرة مقاعد مثلا لكل تيار!.أما كيفية تحديد التيارات السياسية فالأمربشكله العام واضح حيث لا يخرج عن الثنائية: يسار/ يمين، بمعنى : اشتراكي/ ليبرالي، وهذا في كل بلدان العالم تقريبا.لكن بكل تأكيد توجد تيارات وسطية بين بين، ومنها وبحسب تموقعها انطلاقا من اليسار الى اليمين :التيار القومي والتيار الديمقراطي والتيار الإسلامي.كما يجب اضافة تيار خاص بالتيار الدستوري – والأرجح هو يتموضع بين القومي والديمقراطي- وهذا اعتبارًا لرمزيته وأيضا لتواجده الفعلي الآن بالبلاد، فلا يعقل تهميشه... وهذا يعني في المحصلة أن التيارات الموجودة فعليا ستة: الإشتراكي والقومي والدستوري والديمقراطي والإسلامي،ثم الليبرالي الذي يمثله أساسا رجال الأعمال او المتعاطفون معهم ))). وربما يستحسن تأثيث البرلمان بطيف إضافي خاص بالخبراء المستقلين ،فيكون البرلمان خليطا من طيف الأحزاب وطيف الخبراء بالتساوي،وربما يُضاف إليه أيضا طيف ثالث خاص بالمجتمع المدني..(أما التزكية الشعبية فتكون مقصورة فقط على تحديد طيف الأحزاب،وهوالذي سيقوم بتحديد طيف الخبراء المستقلين بشكل ديمقراطي عبر انتقاء الخبراء الذين عليهم اجماع اكبر.ثم لاحقا يشتركان معا بنفس الطريقة لتحديد افراد طيف المجتمع المدني..). وكحوصلة توضيحية ولنفترض عدد المقاعد المخصصة لكل تيار سياسي هي 10 كما ذكرنا،وبما أن عدد التيارات السياسية بحسب هذا التصورهو 6، وعدد الأطياف 3، فهذا يعني:العدد الجملي الأقصى لمقاعد البرلمان هو180:( 10×6×3 =180).أما العدد "الأدنى" للمواطنين المزكين بكل ولاية بإعتبار كل نائب يستظهر بقائمة 100مزكِّي، وبإعتبار كل تيار له 10 نواب، وبإعتبار وجود 6 تيارات ، فهذا يعني أن العدد الجملي للمزكّين بكل ولاية هو6000(100×10×6 =6000).وبهذا يكون عددهم الجملي بكامل البلاد 144ألف. ومن البديهي البرلمان بهذا "التصوّرالطوباوي" يكون أكثر كفاءة وحتى أكثر ديمقراطية نظرا لتشكيلته المتنوعة والمتعادلة دون تغوّل.. إننّا ندعو جميع أفراد الشعب التونسي،و على رأسهم رؤساء الأحزاب والمنظمات و الجمعيات، إلى دراسة هذا المقترح دون التمادي في السير بإتجاه السراب وما يتبعه من إضاعة وقت في الجدال و التجاذبات ومزيد الضحايا والإفلاس والكوارث.. اضافات
1- ربما نحتاج الى وضع "مواصفات" للمواطن الذي تقبل تزكيته ومنها سابقية إنتمائه الى الحزب اوعلى الأقل الى تيار الحزب الذي يريد تزكيته...ثم وردعًا لجريمة شراء الذمم والتلاعب والإستهتار يجب ان يخضع جميع الذين قدموا تزكياتهم للتدقيق وحتى للمساءلة لاحقا ..). 2- في كل مركز ولاية ندعو إلى بعث مكتب مقترحات مهيكل لإستقبال الملاحظات والمقترحات و الحلول بشكل كتابي لمعالجة القضايا المحلية ( بحسب ضوابط منها : الاختصار ، الوضوح ، تسجيل الهوية ..مع ضمان الردّ عليها خلال مدّة معلومة ..)فالتوازن في توزيع التنمية بين الجهات يستحيل دون توزيع متوازن للسلطة، وعموما من مشمولات الديمقراطية الرشيدة هي مشاركة المواطنين في معالجة أوضاعهم التي هم بها أدرى..نؤكّد هنا على أن لهذه المكاتب فاعليّة تتجاوز بيروقراطية و رتابة المجالس والجماعات المحلية.. 3-لا يمكن أن يستتب الأمن طالما يوجد عاطلون من أبناء الطبقة الشعبية في احتياجات يومية ملحّة و مزمنة. ولذا ننبه إلى ضرورة منحة بطالة مهما كانت رمزية،فلا يشعر العاطل والمعطَّل بأنه في مجتمع "كافر" فينقلب هو الى أكفر.. 4- إلى أن يستتب الأمن و يسترد الاقتصاد عافيته من الضروري تعليق حق الإضراب.. ختاما: لقد استطاع الشعب التونسي، بفعل الإرادة الموحدة والحماس الثوري النّقي، أن يتقدّم بمفرده دون إملاءات خارجيّة أو حتّى داخليّة ليُسقط الديكتاتوريّة وليضع في فترة وجيزة القاعدة الأساسيّة الأهم لثورته الوطنيّة الديمقراطية، ثورة أبهرت العالم فوقف لها الكبراء والحكماء تقديرا واحتراما ! لكنه الآن، و بكلّ أسف وقد خارت قواه بعد أن وقع تفكيكه أحزابا متصارعة، يتوقّف حائرا مرتبكا في مفترق طرقات ضبابية أكدت الأحداث ومازالت تؤكّد أنّه لا خلاص منها و من تبعاتها إلا بالوفاق الوطني. ملاحظة: هذا المقال،بإستثناء تقريبا الفقرة التي بين ثلاث اقواس، هو نفس المقال الذي صدر لي منذ7 سنوات تحت عنوان - لأجل الوفاق الوطني- أي قبيل انتخابات اكتوبر بشهر(راجع: الشروق 19 سبتمبر 2011)..ومن الأكيد حينها لم تنظر إليه " نخبتُنا الكريمة " إلا بإستخفاف ولربما رشقته بمختلف نعوت السذاجة والطوبوية والمروق من "المقدّسات" ( أي النظُم السياسية المعمول بها في الغرب!..) وإذا كان إستخفافهم كان يصعب حينها الرد عليه لإنعدام الحجة والبرهان ،فهل بقي له اليوم من وجاهة بعد إن عاينوا مختلف التلاعب وشراء الذمم والقصف الإعلامي وصناعة الرأي العام مع وعود خيالية كاذبة يستحي من تقديمها حتى الأوغاد...وأيضا ظاهرة ما يسمى"السياحة الحزبية والنيابية" الى درجة شراء النواب ،وماخفي كان اعظم..فقد صرح علنا منذ سنوات قريبة رجل الأعمال المعروف (ب.ج) بأنه تعرّض الى تحيّل عدد من النواب( نوّاب الشعب!) قدّم لهم أموالا وسيارات ليشكّلوا له كتلة برلمانية تتبعه !!....فهل بقي اليوم للإنتخابات من "قداسة"( رغم إنعدام شكوكنا في هيئة الإنتخابات)؟؟؟..بالله ما جدوى الطبخ في "آنية راقية عصرية" إذا كان الذي بداخلها ملوث ومنتهي الصلاحية يسبب الإسهال والتوترات والأمراض ؟؟ أليس في هذه الحالة الطبخ في "برمة عربي" أطهر وأسلم للشعب ؟؟؟..ومن ناحية ثانية هل يستوي حقا صوت الناخب المثقف أو الخبير وصوت غيره من "العوام"؟؟ ألم يدعو الإسلام الى الإعراض عن الجاهلين والإقتداء برأي العقلاء الحكماء الخبراء ؟؟ وحتى في الغرب نفسه ألم يعبّر مشاهير العقلاء منهم عن رفضهم الإقتراع العالم الذي يترك ل"الغوغاء والسوقى" تقريرمصير أمة؟؟هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟؟..والى الذين يزعمون "احترام كلمة الشعب" هل هذا الشعب في أغلبه يأبه بهم وبصناديقهم وبطوابيرهم الإنتخابية؟؟ هل بهكذا اسلوب يصمّون أسماعنا صباحا مساء بالتهليل والتطبيل ل "الإنتقال الديمقراطي"؟؟هل هم اصلا من حيث الجوهر ديمقراطيون فعلا؟؟؟ ثم ولننظر الى مدى صحة وعافية الحكومات المنبثقة عن كل هذه "الإنتخابات الديمقراطية" أليست كلها ،وبشكل متتابع، كالمشلول الغير قادر على الوقوف على قدميه رغم كل محاولات الإسناد و الإسعاف و"التوافقات والوثائق"!... ومن ناحية ثانية هل أصلا الشعب إحتاج، لكي يخلع المخلوع، الى انتخابات أوسبر آراء ؟ هل استشار صندوق النقد الدولي أو دوائر الوصاية الإستعمارية وأذيالها ؟؟؟ لننظر الآن الى كوارث المديونية والفقر والإجرام والإنحطاط السلوكي والتفسخ والهمجية والبلطجة والإستنهانة بكل المؤسسات الخاصة والحكومية والفوضى حتى في السياقة وحوادثها القاتلة..كله منجرّ عن تشتيت وضياع ارادة وانسجام الشعب بهذه المغالبة الإنتخابية دون ادراك أن لكل مقام مقال..لقد صار اليوم حتى استقلال البلاد في الميزان ( في تونس وفي أشقّاء "الربيع العربي"..)..اليوم الشعب صار غير واثق من بلاده ويخامره هاجس الفرارُ كراكبٍ في سفينة موشكة على الغرق!...الآن كل الوقائع تشير الى أن اكثر المواطنين وحتى بعض النواب بالبرلمان هم بين منتظرٍل "البيان رقم 1" وبين متحسّرٍ نادمٍ على الثورة ويتمنى عودة بن علي،حتى ومعه عصابته !..
قضية النظام الرئاسي : بعكس المطالبين بتنقيح الدستور من اجل حكم رئاسي،الأفضل هو مزيد التقليص من صلاحيات الرئاسة! فعقلية التجاذبات والحسد والأنانية والنرجسية الجوفاء وإنعدام شخصيات كاريزمية حقيقية الخ ..كل هذا لا يسمح بالإرتياح الى شخص واحد يجمع سلطات تضاهي او تفوق البرلمان بأكمله.وما لم يتم مزيد تقليص سلطات الرئاسة فسوف تبقى مواعيدها الانتخابية هي بدورها بؤرة ثانية للقلاقل والمنازعات..أما إذا تم تقليصها الى الحد الأدنى حتى تكون رمزية فعندها فقط يستحسن أن تستمر هي فقط بالإنتخابات الحرة المباشرة.أما الذين يعزون تردي الأوضاع الى "التخلي عن النظام الرئاسي الحازم " ويدعون الى تنقيح الدستور، فبُعدهم عن الصواب كبُعد الباحث عن الفجر في وقت الغروب( رغم يقيننا المطلق بحاجة البلاد الى الحزم والصرامة!)..هم على الأٌقل تناسوا ان ذلك النظام الرئاسي ما كان له أن "ينجح" لولا العصا الغليظة التي ذهبت بلا رجعة.فاليوم وبكل تأكيد هذه الأيادي الهزيلة المرتعشة لاقدرة لها على رفع عصا غليظة ولا حتى رقيقة.أما من يحلم بالمجازفة فإنما هو دنكيشوت مغرور لا يدرك خطورة الوضع المحموم بالإضطرابات نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية،والتي كل الخبراء يؤكدون انها ستستمر لسنوات طويلة ،هوخاصة لا يدرك حجمه الإنتخابي الذي من المستحيل ان يتجاوز مجرد ربع اوحتى ثمن الأصوات الانتخابية..وسترى حين ينجلي الغُبارْ*أفرسٌ تحتك أم حمارْ...إنها الدنكشوتية المتجددة !! ختاما :إنني ادرك أن هذا المقترح هو كصرخةٍ في واد،فهو سابقا لم يجد تأييدا بمبرر" مواكبة روح العصر واللحاق بركب الأمم المتقدمة" والآن بمبرر "الدستور لا يسمح".( انظر مقالي الأخير بهذه الصحيفة الجريئة القيمة الصريح : نقدٌ ومقترحٌ)..ولكن الشيء الذي يدفعنا الى الإصرار هو يقيننا بأن أزمة هذه البلاد( وغيرنا من الأشقاء) إنما هي ازمة حكم لا اكثر ولا اقل!! فالمشكل هو أن التصورات التي تم اعتمادها لتركيز أداة الحكم فشلت ولم تحقق الحكم الرشيد المتوازن ..إن كل من يشعر بالأسف على تردي اوضاع البلاد والعباد ،ووضعنا كعرب وكمسلمين، لا يسعه أمام مشهد هذه التجاذبات والصراعات والتناحر والنكبات والتدخلات الخارجية المغرضة إلا أن يستذكر صراعات وتطاحن عرب الجاهلية كصورة لما نحن عليه الآن من جاهلية متجددة.. [ لوْ أنفقْتَ ما في الأرضِ جميعًا ما ألّفتَ بيْن قلوبِهِم ولكنَّ اللّهَ ألّفَ بينَهم، إنّه عزيزٌ حَكيمٌ].