إشارات إيجابية وجهها رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية من خلال كلمته التي ألقاها أمس أمام البرلمان… هذه الإشارات تحفظ للسبسي مكانته وحتى جميله فأي قيمة لها بعد ما شاب العلاقة بين الطرفين من توتر؟ تونس (الشروق) «لم يخطر ببالنا ولو للحظة المس من سيادة رئيس الجمهورية أو استنقاص دوره» هذا ما قاله رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال الكلمة التي ألقاها أمس أمام البرلمان بمناسبة الجلسة المخصصة لمنح الثقة لأعضاء حكومته الجدد. الشاهد لم يكتف بإبراء ذمته ونفي أي شبهة عنه في تعامله مع السبسي بل مر في كلمته إلى «تثمين كلام رئيس الجمهورية» (الذي قاله قبل أيام في ندوته الصحفية)، وإلى تأكيد حرصه «على مواصلة التعاون والتشارك مع رئيس الجمهورية» قبل الإعتراف «بالدور الأساسي الذي لعبه رئيس الجمهورية في الإنتقال الديمقراطي». الباجي مستاء من «انقلاب الشاهد عليه» وفق المصطلح الذي اعتمده البعض، لهذا لجأ قبل أيام إلى «تصغير» مكانته، لكن يوسف لم يعر هذا الاستنقاص اهتماما، والدليل أنه لم يرد عليه بالتحدي ولا بالعبارات الجارحة فهل في هذا شعور بالضعف ورغبة في العودة إلى ظل السبسي؟. الاحتكام إلى الدستور يبدو الباجي في حالة وهن سياسي لكنه لم يفقد أوراقه كله بل إنه قادر على إلحاق الأذى بأي طرف يعاديه، لكن لا يمكن أن نفهم كلام الشاهد الأخير على أنه عودة إلى جبة الباجي بل هو تأسيس لنوع جديد من العلاقة بين الطرفين لا يكون فيها أحدهما مسيطرا على الثاني، ولا في قطيعة معه. هذا النوع من العلاقة عبر عنه الشاهد بقوله إن «دستور الجمهورية التونسية لم يتحدّث عن وزير أوّل بل تحدّث عن رئيس حكومة والتحوير المعروض عليكم مطابق لأحكام الدستور». الشاهد يحتكم إلى الدستور وليس إلى الأخلاق ولا العرف وهو بهذا يرفض صفة « الوزير الأول» التي تجعله تابعا لرئيس الجمهورية ويستعيض عنها بصفة رئيس الحكومة أي الصفة الدستورية التي تجعله ندا لرئيس الجمهورية وتبدّل علاقتهما من عمودية إلى أفقية. في هذه العلاقة تنتهي التبعية والخضوع وتحل محلها الاستقلالية وعدم التداخل في الصلاحيات بالإضافة إلى حتمية التنسيق متى رضي الطرفان معا بطبيعة العلاقة. علاقة الندّ للندّ الأهم في هذه العلاقة أنها تحول دون التصادم وما ينجر عنها من قطيعة وما ينجر عن هذه القطيعة من مواجهة ومعارك فمن يستفيد منها أكثر الشاهد أم الباجي؟ يبدو الشاهد أول المستفيدين من العلاقة «الدستورية» الجديدة، فعبرها يمارس صلاحياته الدستورية دون تدخل أو ضغوط من شطر السلطة التنفيذية الثاني (رئاسة الجمهورية) ويصبح ندا للند مع رئيس الدولة بما يرفع من مكانته وقيمته السياسية والأهم أنه يتفادى غضب الباجي الذي يضر به دون أن ينفعه. في المقابل يخسر الباجي نزرا من سلطته وحتى أحلامه فهو يتصرف كما لو كان رئيسا مستوفي الصلاحيات في نظام رئاسي أو رئاسوي خلافا لرئيس الجمهورية في النظام البرلماني المعدل حيث تتحدد صلاحياته حصريا، لكنه يضمن بالمقابل ولاء الشاهد لمشروعه الحداثي البورقيبي وعدم ارتمائه في أحضان النهضة عندما تغلق في وجهه بقية الأبواب، والأهم أن السبسي يبقي على أمل إنقاذ حزبه. استفادة شاملة يمكن لحزب النداء أن يخرج فائزا شريطة استغلال العلاقة الجديدة في رفع التجميد الحزبي عن الشاهد وإعادته إلى عائلته الكبيرة (نداء تونس) بما يمنعها من الاندثار، وبعدها يمكن القيام بعملية دمج تشمل كتلة الائتلاف الوطني والأحزاب المتفرخة عن النداء والشخصيات المستقيلة منه. هذه الفرضية قد تحقق النفع للحزب دون زعيمه الحالي حافظ قايد السبسي ودون أمينه العام سليم الرياحي لكنهما في النهاية لن يخسرا غير صفتين اكتسباهما بالمناشدة والتعيين دون أن تكون لهما الشرعية الانتخابية والأهم أن في إنقاذ النداء انقاذ لهما إذ لو تواصل الأمر على ما هو الحال عليه اليوم لوجدا نفسيهما بعد أشهر مسؤولين في حزب بلا كتلة ولا نواب ولا أنصار. ومع هذا تبدو استفادة حركة النهضة مضمونة فهي تحتاج إلى تقارب بين الباجي والشاهد يضمن الاستقرار السياسي وهي تحتاج إلى حزب حداثي قوي تحتمي به. على أن المستفيد الأكبر من تجنب القطيعة بين الشاهد والسبسي يبقى الوطن الذي لا يتحمل المزيد من الجدل والتجاذبات والخلافات التي تضر بالجميع ولن تنفع أحدا. علاقة الباجي بالشاهد شهدت العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية انقلابا واضحا، فقبل سنتين كان الثاني يوجه وينصح ويستفسر ويوصي… وكان الثاني يسمع ويطيع ويستشير ويطلع ولي نعمته على كل كبيرة وصغيرة حتى إن كانت من صميم صلاحياته الدستورية. هذه العلاقة حادت عما سطره الدستور الحالي ومالت برئيسي السلطة التنفيذية من النظام البرلماني المعدل حيث يستقل كل رئيس بجزء من صلاحيات السلطة التنفيذية إلى النظام الرئاسي المعدل (الرئاسوي تحديدا) حيث يتحول رئيس الحكومة إلى رئيس وزراء ينفذ سياسة رئيس الجمهورية ويطبق تعليماته. الانقلاب في هذه العلاقة تم عندما تمرد يوسف على علاقته العمودية بالباجي وبات يخالفه ويتحداه ويرفض استشارته أو إطلاعه على ما يريد تنفيذه ما أثار حفيظة السبسي الذي أقام ندوة صحفية وضع نفسه بموجبها فوق الشاهد وفوق الجميع. فهل ينجح الشاهد في تجنب القطيعة والمواجهة ب»علاقة الند للند»؟