الجبهة الرافضة للشاهد وحكومته تزيد في التصعيد والمواجهة بينها وبين جبهة الدعم تشتد، ما يقلل حظوظ الخروج من الأزمة السياسية الخانقة ومع هذا فهناك بادرة أمل في ما أبدته الرئاسات الثلاث مؤخرا من تعقل فهل تقدر على حل الأزمة؟. تونس الشروق: من حل للأزمة السياسية إلى محورها الرئيس، بالأمس كان رئيس الحكومة مطالبا بإدخال تعديلات على تركيبة حكومة استجابة لرغبات جل الأطراف السياسية الفاعلة وإنهاء للانتقادات التي تحاصره، لكنه لم يكد يعلن عن تحويره الوزاري حتى أقام معارضوه الدنيا. فرئاسة الجمهورية عابت عليه تسرعه واستخفافه ب"النواميس والتقاليد والذوق في ممارسة السياسة" على حد تعبير رئيس الدولة الباجي قايد السبسي في ندوته الصحفية التي أقامها هذا الخميس. وحزب النداء بحث ولا يزال عن أي ثغرة شكلية في اعتراضه على التحوير الوزاري كما أنه خير أبناءه في الحكومة بين الاستقالة منها وبين الاستقالة من الحزب حتى لا تكون له تمثيلية فيها. من جهته مازال اتحاد الشغل يبشر الشاهد بإضراب عام كاف لدق المسمار الأخير في نعش الاقتصاد، فيما عبرت بعض الأحزاب عن نيتها التصويت ضد منح الثقة للتحوير الوزاري الأخير. تصعيد مدمر لا يمكن الاستخفاف بهذا التصعيد، فخروج وزير ندائي واحد من الحكومة يكفي لبعثرة أوراق رئيسها، واستقالة جميع الندائيين في الحكومة من حزبهم يخلق سابقة خطيرة من الناحية الدستورية وهي غياب التمثيلية الحكومية عن حزب النداء ما يعني أنه بات يعارض الحكومة المكلف بتشكيلها. هذه الحكومة لا تستطيع أن تحقق أي هدف اقتصادي أو اجتماعي في غياب هدنة مع اتحاد الشغل أما تعدد الأطراف البرلمانية الرافضة للتحوير فقد لا يكفي للحيلولة دون منح الثقة لكنه يحرج الحكومة. في هذا الجو السياسي الخانق يظهر صفان متواجهان: الأول صف رئاسة الحكومة المدعوم بحركة النهضة وحركة مشروع تونس فضلا عن كتلة «الائتلاف الوطني» البرلمانية… والثاني صف رئاسة الجمهورية التي تقف في الخندق ذاته مع حزب نداء تونس وآفاق تونس واتحاد الشغل ولا يمكن للأزمة أن تنتهي حتى لو فرض أحد المعسكرين أحكامه على الآخر. بوادر تعقل تبدو بارقة الأمل الوحيدة في ما أظهرته الرئاسات الثلاث من بوادر تعقل: فرئاسة الحكومة التي فرضت التحوير الوزاري على الجميع ووضعتهم أمام الأمر الواقع امتنعت لاحقا عن التصعيد ولاذت بالصمت مكتفية بالندوات الصحفية ذات الصبغة التوضيحية والتبريرية. ورئاسة البرلمان لم تورط نفسها في السجال الدائر حول الاعتراض على التحوير من حيث الشكل بل سارعت إلى تعيين موعد لجلسة منح الثقة من عدمه وهي جلسة الاثنين القادم. أما رئيس الجمهورية فقد رد الفعل وبعض مستشاريه والمقربين منه بعبارات العتاب حينا واستصغار الشاهد حينا آخر لكن ما يهمنا أن الباجي بدا متعقلا عندما لم يستجب لرغبات المصعدين في تفعيل الفصل 80 من الدستور، بل أعلن احتكامه إلى الدستور من باب تحمله المسؤولية وقيام بدوره وواجبه الوطني لتسهيل دواليب الدولة. الحل لدى الرئاسات المعركة حاليا في البرلمان بين أطراف تدافع عن الحكومة مثل كتل النهضة والائتلاف الوطني والحرة لحركة مشروع تونس وبين أخرى تعارضها بقيادة كتلة نداء تونس. الكفة تبدو لصالح مؤيدي الحكومة إلا إذا حدثت معجزة، لكن اللافت للانتباه أن جميع الفرضيات لا تكفي لوحدها لإنهاء الأزمة السياسية بل يحتاج جميعها إلى تدخل إيجابي من الرئاسات الثلاث يجتنب التصعيد ويروض صقور الجبهتين المتحاربتين ويغلب في النهاية مصلحة الوطن على جميع المصالح الضيقة: أما رئاسة مجلس نواب الشعب فباتت محايدة بتعيين جلسة برلمانية لامتحان منح الثقة ينال فيها كل طرف حقه كاملا: الأقرب إلى المنطق أن ينجح الشاهد في هذا الاختبار فينتهي الحديث حول التحوير لتبدأ صفحة جديدة من العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية. بين الباجي والشاهد هذه العلاقة بدأت ودية وحميمية وتحولت إلى حرب باردة ومنها إلى قطيعة حتى بلغت اليوم مرحلة التصادم وبيد الباجي لوحده أن يتحكم في وجهتها فإما أن يستجيب لرغبات جبهة الرفض التي تقف معه في نفس الخندق فيديم الحرب مع رئيس الحكومة ويقضي على أي أمل في حلحلة الأزمة السياسية. وإما أن يسير في مؤشرات التعقل التي أبداها في ندوته الصحفية أول أمس فيؤسس لعلاقة جديدة بين جزأي السلطة التنفيذية لا تقوم على التداخل بل على الاستقلالية التامة في ممارسة كل طرف لصلاحياته الدستورية بما يحول دون المواجهة والتعطيل ويكف عن الجميع شر القتال. أما إذا فشل الشاهد في الحصول على الثقة البرلمانية لأعضاء حكومته الجدد فإن الكرة تصبح في شباكه فإما أن يقبل بالواقع ويخوض امتحان تجديد الثقة لحكومته وينهي الجدل من حولها بإقالتها أو كف الشغب عنها وإما يواصل امتناعه بما يوفر الغطاء الكافي لرئيس الجمهورية في اللجوء إلى صلاحياته الدستورية ضد الحكومة مثل تفعيل الفصل 99 من الدستور. الباجي قال في ندوته الصحفية الأخيرة «ربي يهدي» ونرجو من الله أن يتقبل منه دعاءه وأن يعممه على جميع المؤثرين في المشهد السياسي التونسي. الفصل 80 من الدستور (الفقرة الأولى) لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب. الفصل 99 من الدستور (الفقرة الأولى) لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية، ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة، وعندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه ثلاثون يوما طبقا للفقرات الأولى والخامسة والسادسة من الفصل 89.