تحتفل الأمّة الإسلامية بذكرى الأكرم محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهي الاحتفاء الذي ينزّله التونسيون منزلة متميّزة ضمن تقاليدهم الدينية، ويقيمون له المراسم الخاصة والأفراح الشعبية. ولم تخطئ الدولة التونسية الحديثة حين ثبّتت ذكرى المولد النبوي الشريف عيدا وطنيا ما يشتمل عليه من معان وعبر ولما يمكن أنيمثل من رمزية إيجابية قوية. فلقد تعوّد التونسيون أن يجتمعوا في هذا العيد المبارك، في حلقات، للذّكر والتذكّر. لذكر اللّه أولا، الذي هو روح الدين الإسلامي مثلما يُؤكّد على ذلك القرآن الكريم في أكثر من آية ومنها الآية 45 من سورة العنكبوت «ولذكر الله أكبر »، ولتذكر الحوادث الماضية المرتبطة بالسيرة النبوية، ثانيا، لأن في إحياء ذكراها تجديد لصورتها في الواقع الحاضر بما يثبّت الإيمان ويعمّقه. ويوفّر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فرصة لاستحضار وتدارس شمائل الرسول الأكرم وخلُقه العظيم وسجاياه وصفاته وأوصافه بما يقوي حبّه، وبالنتيجة، حبّ الجمال والكمال خلقا وخلقا، علما وعملا. والمولد النبوي كما كان منذ أن بدأ الاحتفال به في بلادنا، وكما سيبقى، تمجيدا وتعظيما لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتقديرا واعترافا له لأن الله أحبّه واصطفاه على كل خلقه وبعثه رحمة للعالمين وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. إنّنا اليوم في تونس وفي كافة بلدان الإسلام في أشدّ الحاجة إلى استحضار مزاياه ودلائله وأن نهتدي بضيائه بصبره ومصابرته، بعزمه ووفائه، بصدقه وعدله، برحمته وسماحته. إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل المسلمين الأعلى لأنه أزال الجهل ونشر العلم ورسّخ الإيمان وغرس الطمأنينة في النّفوس وأنهى العصبية والقبلية، فغ بذلك مجرى التاريخ وقاد المسلمين نحو الوحدة والسؤدد. فكم يحتاج هؤلاء المسلمون إلى إحياء سيرته العطرة والاعتبار بمعانيها! قد تصيب بعض مواطنينا تأثيرات خارجية وخارجة عن تقاليده تدّعي أن إحياء عيد المولد النبوي بدعة لم تُعرف زمن الصحابة. نقول إن الصحابة لم يكونوا في حاجة إلى معرفة الرسول لأنهم صاحبوه وعايشوه. ونقول، بالأخص، إنه إن كانت بدعة فهي بدعة حسنة محمودة لأن هذا عيد يعطي فرصة للاطلاع على مآثر نبيّنا والتعرّف إلى خُلقه وصفاته لازدياد التعلّق به وتعميقا للإيمان برسالته. ومعرفة النبي محمد هي حتما تهذيب للأخلاق وتطهير للروح وان رشاح للصدر. وهي حبّ وشوق لآخر النبيين وأول إنسان خلقه الله وخلق من أجله هذا الكون: «لولاك ما خلقنا الأفلاك! .» إنّنا مطالبون أن نحيي ذكرى نبيّنا محمد )صلعم( وأن نجعل منه مثلنا وأن نبحث عن أنواره ونقتبس منها ونعيش قدر استطاعتنا ما عاشه الرسول. وإن هذا الاقتداء بالأنوار المحمدية أو ما يسمّيه علماء التصوف الاسلامي «بالسنّة الداخلية » هي السبيل الأضمن لمحبّة الرسول لأنّ محبّة الرسول جزء من الإيمان.